نصر محسن

كم أنتم ساذجون؟! لو كانت الأرض تدور بالفعل لانعدم توازن الأشياء كلها، ولكان كل ما ترونه يفتل ويدور، الأشجار والبنايات والجبال والبشر؟ كل شيء... كل شيء كان سيدور مع دوران الأرض. ولكان الناس يتساقطون دائخين برؤوس تصفر فيها الريح. كل…

بقدر ما يكون الجرح بليغاً يكون رشّ الملح عليه مؤلماً، فالملح يحرق الأنسجة الحيّة، يتيبّس ظاهرها ويبقى الألم مضاعفاً في الأعماق. وبقدر اتساع الجرح وامتداده ينتقل الوجع إلى المساحة كلها، ويزداد الألم أيضاً، وبين الأفقي والعمودي يتحيّر…

غالباً ما يتجلّى الربيع في أرض خصبة، والخصوبة دليل نقاء وعذوبة، كما الربيع ابتسامة الأرض والفضاء بالأزهار والنسائم. لا أعتقد أن أرضاً خالية من الحقول تعرف الربيع، ولا أعتقد أيضاً أن حقولاً مفعمة بالاخضرار يأتيها نيسان ولا تزهر. فالقضية…

للجنّة أبواب سبعة، ولها أكثر من بوّاب، فيها أنهار وفواكه، غلمان وحوريات، وفيها مؤمنون. كثيرون من الناس يعدون أنفسهم أن يكونوا من أهلها، لا يشربون سوى الخمر، لا يضاجعون سوى العذارى، ولا يأكلون سوى التفاح، الخمر المقدّس، والعذارى…

سنكتب عنهم لأنهم يستحقّون، أولئك الذين يمضون معظم أوقاتهم في العمل، ربما لتستمرّ الحياة رغم رماديتها المحيّرة، وربما ليخففوا من وطأتها، فتصير أقلّ كآبة، إن لم يكن أكثر سعادة. أولئك الصامتون الراضون بأقل مستوى مما يتطلّب العيش، والسّاعون…

ليس ألماً ولا تأففاً يصيح المغنّي، ليس حزناً ولا أسفاً على شيء بعينه، هو اكتشاف يتجدد، وربما يجدد نفسه، اكتشاف أن الطبيعة ناقصة دون غناء، فيأتي المغنّي ليكمل النقص. وهو الشعور السحري بأن الإنسان ليس مفرداً، ولا يمكنه العيش بمفرده، هو…

وطني المعلّق على دالية النار، في مهبّ الشموس، آن للعنب الناضج على أصابعك أن ينهمر غيمة من العطر فوق خوابي الضوء. آن لنبيذ الكلام أن يتصلّب في الحلوق، ولمرمر الدم أن يصير سماء حمراء بلون شروق مفاجئ. آن لهذا الفضاء القرمزي أن يعبّد ما…

كلما تخيّلت خريطة جغرافية أمامي تهيَّأ لي أن الشمال فوق، والجنوب تحت، والشرق جهة اليمين والغرب جهة اليسار. الشمال فوق، والفوق راكب، الجنوب تحت، والتحت مركوب. اليسار غرب، والغرب متفوّق ويساري متحرر. اليمين شرق، والشرق متخلّف ويميني…

سماء مشغولة بالأرواح، بل سموات سبع، وكل سماء تتفاخر بمن تحضن، أنبياء وزنادقة، شهداء وقتلى، أبرياء ومجرمين. والأرض تترجرج كل يوم معلنة عن مخاض مستمر. تنقسم الكائنات نصفين، نصف ينام في الأرض أو عليها، والآخر يصعد عالياً، أو يهبط إلى قاع…

تغوينا الكتابة فنكتب، مع إحساس داخلي يداعب ملكة الإبداع، ننقاد وراء بياض الورق ولمعان الحبر فوق الصفحات الصقيلة. شعور غريب يتملكنا ونحن ننثر مواجعنا أمام عيوننا، تماماً كولدٍ شقيّ خرج لتوّه من مأزق مياه عميقة، فأخذ يروي لأصدقائه حكاية…

ما إن تنقطع الكهرباء عن حيّنا حتى يسرع جارنا أبو الوفا إلى إطلاق الشتائم، لا يوفّر أحداً من وزارة الكهرباء، هذه الوزارة المنحوسة، والمغلوبة على أمرها. وأنا هنا لست في وارد الدفاع عنها، ولا عن أية مؤسسة حكومية، لأنني على يقين من أن…

إذا هبّت الريح شدّ زنّارك. والريح غالباً ما تهبّ، ما يجعلك دائم التأهّب. إذا هدأت الريح فلا تطمئنّ، فهي لا تهدأ إلاّ لتغافلك وتهبّ. عليكَ أن تنسى إذاً أيام الاسترخاء والتكاسل، أنت في زمن الهبوب، زمن الانشغال الدائم بما يجب، وبما تحذّرك…

الزبد سياج من الفلّ، والزرقة عميقة... عميقة، فضاء واسع إلى الأمام، ممتلئ بالحبر، وبالأسرار. اليابسة تردد صدى الهدير، فتنجب رجالاً قساة، وتدفعهم إلى الأزرق الرهيب، فيصيرون بحّارة، ويردد البحر أيضاً صدى الغناء البشري، فينجب حوريات بحر.…

حين تُذكر الحديقة سرعان ما يتبادر إلى الذهن أشجار وورود وعشب، وبعض روّادها، أطفال مع أهاليهم، عجزة وشيوخ ومقاعد خشبيّة، وربّما يجيء شبّان وصبايا، يتنحّون بعيداً في جلسات خاصة تحت الأشجار أو فوق المروج. لكنّ أموراً قد لا تخطر على بال،…

المسافر لا يعكّر ماء الطريق، فله إليه عودة، وطالما نصحوا (احتفظ بخطّ الرجوع) وخاصّة حين يكون خطّ الرجوع مضنياً، لا بدّ حينذاك من الماء للارتواء. المسافر يعرف ذلك جيّداً، كما يعرف صاعد الشجرة أنه لا بدّ سينزل، وأنّ عليه أن يعرف الأمكنة…

الصباحات لا تتشابه، هي دائماً في اختلاف، سواء في موعد قدومها، أو في درجة دفئها، في صفاء سمائها أو كثافة غيومها. حتى هذه الصباحات الشتائية يختلف بعضها عن بعضها الآخر، هي الحركة الكونية، تجعل من الثبات أمراً مستحيلاً، لا شيء يثبت على حال،…

يجوز أن ننزوي قليلاً لنعيد ترتيب ما نريد، أحاول الهرب إلى فسحة حرية، فلا أجدها. هل كان من المفروض ألاّ أجدها؟ كلما لمحت طيفاً فوجئت بأنه طيف. أريد أن يفاجئني بكذبة، أو أن يغيّر هيئته. ذلك نوع من العبث، أحبه، ولا أحبه... تماماً كما أحبك،…

يقول الباحثون في علوم الفلك وفنون التنجيم إنهم متفائلون بالسنة الحالية (2014) ويعزون ذلك إلى عدد أرقامها، فمجموعها مساوٍ للرقم (7). ولأنني لا أحمل أي شيء من الثقة بأقوالهم، لم أتابع تفاصيل وشروح ما يزعمون. لكنني سأعود الآن إلى هذا الرقم…

هي الشام، منذ تأسس الخلق، وربّما قبل ذلك أيضاً، حيث المكان لم يكن يتّسع إلاّ لها. وهي الشام تتكوّم في حلق هذا الكون عصيّة على الانقراض، وصعب مراسها، فلا تسلم أمرها إلاّ لبارئها. وحين تتكاثر حولها ذئاب الأرض تتخلّى عن نصفها الغزلاني…

البيت لنا، والدرب لنا، نفتح الباب ونغلقه متى شئنا، ندخل ونخرج متى شئنا، فذاك بعض من حقنا. ومن حقنا ترتيب بيتنا أيضاً، نوزع الأثاث والأشياء كما نريد، لا حاجة لاستئذان أحد. نسلك الطريق التي نراها مناسبة، توصل إلى البيت أم لا توصل، ذاك أمر…

قصير عليه قوس قزح، وضيّق هذا الفضاء. الهواء في الأعالي يشبه روحه، والغيمة تليق زجاجة لعطره. هو المسيح المحرّر من صليبه، وهو النبي العائد صوب مغارته. لا الشمس تعرف له طريقاً، ولا النجوم المعلّقة على ياقته تعرف بالضبط ما حلّ به.…

سيكون لنا في الآتي من الأيام وقفة تأمّل، نستعرض فيها هذه العلاقة التي تربطنا الآن معكِ أيتها البلاد الشقيّة، وسيكون لنا تقويمنا الخاص لصدقنا، ولسحر الانتماء إليكِ. هل نستحقّ هذا الانتماء؟ وهل يليق بنا أن نكون، كما نحن الآن، مواطنين…

ماذا جلبتم لأمّكم يا عصافير الجنائن؟ يا من تدفّأتم بحضنها دون أي إحساس بانفصال عنه، لأنكم في حاجة إليه، ولأنها كانت وتبقى أمّاً. حين كانت الجنائن أبعد من حلم كان حضنها جنّة لا تضاهيها جنّة، وكنتم ترون نهاية الكون عند أطراف ريشها. أي…

حين يقول الناس أمراً يعني أن غالبية الناس تتبنّى هذا الأمر، يعني أن الشرائح الأوسع في المجتمع تقول. هو صوت الناس الذي يقلق كثيراً من الأنظمة، الأنظمة المتخاصمة مع نبض الشوارع، وكأن تلك الأصوات أبواق لقيامات قادمة لأنظمة أمعنت في غيّها…

قبل هذه الأزمة لم يخطر ببالي أن لتلك الجغرافية المتناثرة أجزاء حارّة من روحي، لم يخطر ببالي أنني متعلّق إلى هذا الحد بتفاصيل صغيرة لأمكنة مررت بها ذات يوم، وإلاّ لكنت أشبعت نهمي من سحرها. في شوارع الرقّة خرجنا ليلاً برفقة (أبي سهيل)…