الرئيس الأسد: دور الأحزاب العقائدية أكثر أهمية اليوم بظل الحروب ذات الطابع الثقافي.. سنقدم كل ما يمكننا لأيّ مقاوم ضد الكيان الصهيوني دون تردّد
أكد السيد الرئيس بشار الأسد الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي أن أخطر ما يواجه الوطن هو الحروب العقائدية، كالنازية الجديدة، والليبرالية الحديثة، والتطرف الديني، وهذه الحروب العقائدية لا يمكن أن نواجهها إلا بفكر وبعقيدة.
وقال الرئيس الأسد في كلمة خلال الاجتماع الموسع للجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي عقد يوم السبت 4/5/2024، في قصر المؤتمرات بدمشق: حتى في الحرب الاقتصادية أو الحرب الإرهابية ليس بالضرورة أن يكون الهدف هو الجوع بالاقتصاد أو القتل بالإرهاب، وإنما الهدف الوصول إلى ثقافة اليأس التي تتحول مع الزمن ومع التراكم إلى عقيدة أو ما يشبه العقيدة التي تحل محل العقائد الأخرى ومحل المبادئ، وبالتالي تدفع باتجاه التنازل عن الحقوق.
وأضاف الرئيس الأسد: لذلك في ظل هذه الظروف، وأنا لا أقصد تحديداً ظروف سورية، وإنما الظروف العالمية التي يشهد كل العالم فيها حروباً ذات طابع ثقافي وعقائدي، تصبح الأحزاب العقائدية أكثر أهمية بكثير من قبل، وليس كما كان يسوّق منذ ثلاثة عقود بأن عصر الأيديولوجيات قد انتهى، وأن عصر الأحزاب العقائدية قد انتهى، هذا الكلام غير صحيح، نحن نعيش أعلى مرحلة أيديولوجية على مستوى العالم، لأن التطرّف هو عقيدة، والليبرالية الحديثة هي عقيدة، والخنوع الذي يدعو إليه الغرب تحت عناوين مختلفة هو عقيدة، فإذاً دور الأحزاب العقائدية، وفي مقدمتها حزب البعث في سورية تحديداً، هو اليوم أكثر أهمية مما سبق خلال كل المراحل التي مرت فيها سورية.
وحول ما يتعلق بصياغة رؤية الحزب وتحديداً حول القضايا الداخلية، أوضح الرئيس الأسد أن رؤية الحزب المقصود فيها كيف يفهم الحزب دور الدولة تجاه المواطنين بمختلف القضايا والقطاعات، وتأتي السلطة التنفيذية لتحويل هذه الرؤية إلى برامج تنفيذية، والعنوان الأول والأهم بالنسبة لنا جميعاً وبالنسبة لكل المواطنين في سورية هو الوضع المعيشي، إذا أردنا أن ننطلق من الوضع المعيشي لا نستطيع إلا أن ننطلق من العنوان الأساسي بالنسبة لنا كحزب البعث وهو الاشتراكية، والاشتراكية بالنسبة لنا حسب ما نفهمها اليوم هي العدالة الاجتماعية، لا نستطيع أن نعود للتعاريف المكتوبة والأكاديمية والنظريات القديمة بأنها الملكية الكاملة للقطاع العام وإلغاء القطاع الخاص، بهذا التعريف وبهذا الشكل عملياً سورية لم تكن في يوم من الأيام اشتراكية.
وتابع الرئيس الأسد: الاشتراكية طبقت منذ أكثر من قرن في أماكن مختلفة في العالم وبأشكال مختلفة بما فيها سورية التي أخذت الاشتراكية فيها طيفاً واسعاً من التطرف والماركسية في النصف الثاني من الستينيات إلى الانفتاح بعد عام 1991 والانفتاح الذي نعيشه حالياً، هناك نماذج كثيرة جداً، علينا أن نحدد النموذج الذي يناسبنا من حيث تحقيق العدالة الاجتماعية وقدرته على مواجهة الظروف الراهنة التي نعيشها، وثالثاً قدرته على دفع التقدم إلى الأمام، طبعاً نحن الآن لا نتحدث عن التقدم بشكل شامل، نتحدث بشكل واقعي، القدرة على تحقيق خروقات في مجالات محددة نعتبرها أولويات بالنسبة لنا في سورية وخاصة في المجال الاقتصادي.
وأشار الرئيس الأسد إلى أن الاشتراكية تطرح علينا سؤالاً كحزب، وهو متى ينطلق النهج الاقتصادي لحزب البعث من الأيديولوجيا، ومتى ينطلق من القواعد الاقتصادية، بمعنى هل هناك توافق بينهما أم هناك تناقض أم هناك حل وسط، نستطيع أن نستند إلى الجانب الأيديولوجي وبنفس الوقت القواعد العلمية الاقتصادية؟ بنفس الإطار ما هي قدرة الاقتصاد على تحمل القواعد الأيديولوجية من دون أن يكون هذا الاقتصاد منهكاً وخاسراً؟ بشكل عام، هو إيجاد التوازن، الأيديولوجيا هي أساسية في نهج حزب البعث، لا يمكن التخلي عنها، وعندما نقول أيديولوجيا فهي الاشتراكية وهي الجانب الاجتماعي.
وتابع الرئيس الأسد: كما قلت أيضاً، ما هو التوازن بين الجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي؟ بالحقيقة كلها أسئلة تلف حول عنوان واحد، ولكن يجب أن نراها من كل الزوايا، لأننا عندما نتحدث عن التوازن بين القواعد الاقتصادية والقواعد الاجتماعية فهذا يعني أن نسير بخط دقيق، لا يكون فيه الجانب الاقتصادي مجرداً على حساب المجتمع، لأننا في هذه الحالة سوف نتحول إلى حزب رأسمالي، ولا يمكن أن يسير بالعكس باتجاه الجانب الاجتماعي بشكل مجرد، لأننا عند ذلك سوف نكون دولة مفلسة، لذلك أتحدث عن كل هذه العناوين لكي نصل إلى نقطة التوازن بين الأيديولوجي والاقتصادي.
وأضاف الرئيس الأسد: هنا طرح كثيراً خلال العقدين الماضيين بعد المؤتمر القطري لعام 2005 حول اقتصاد السوق الاجتماعي، وحُمّل ما لا يحمله من معان وتفاسير وحتى من أخطاء أو من عثرات مرت بها سورية، حُمّلت لهذا التعريف، وتعامل معه البعض وكأنه عقيدة قائمة بحد ذاته، ولو كانت عقيدة لما أبقينا الاشتراكية، والاشتراكية هي نظرية وليست عقيدة، لكنا استبدلنا الاشتراكية ووضعنا مكانها اقتصاد السوق الاجتماعي، والحقيقة رؤيتنا لهذا الموضوع مبسطة، السوق هو منافسة والعملية هي عملية تطوير للاشتراكية، لا أكثر ولا أقل، ولكن لو أبقينا كلمة السوق وحدها فهذا يعني أننا تحولنا إلى اقتصاد السوق المتوحش، فكلمة الاجتماعي هي التي تحافظ على النهج الاشتراكي مع الحفاظ على المنافسة بالنسبة للسوق، هناك من سيقول إنه لا يمكن أن يكون هناك سوق مع اشتراكية، هذا الكلام غير صحيح، لأن النموذج الصيني واضح بالنسبة للعالم، الصين تحولت إلى اقتصاد السوق وهي دولة شيوعية اشتراكية مركزية منذ عام 1978.
وقال الرئيس الأسد: الجانب الآخر وهو عنوان مرتبط بالوضع المعيشي، أن الحزب تبنى منذ بداياته الوقوف إلى جانب الكادحين، الكادح بالتعريف قد يكون معناه الطبقة التي تعمل ولكنها فقيرة، فهل نقول الكادحين أم نقول الفقراء؟ بشكل عام باعتبار المفهوم أشمل سأتحدث عن الفقراء باعتبارهم الشريحة الأوسع أولاً، ومن الطبيعي أن يقف الحزب إلى جانب الشريحة الأوسع، وباعتبارهم الشريحة التي تتأثر أكثر من غيرها بالأزمات الاقتصادية، ولكن حتى الأديان وقفت إلى جانب الفقير، فالزكاة هي من الغني إلى الفقير وليست من الغني إلى الغني، حتى الضريبة في جانب من جوانبها هي من أجل تحقيق العدالة وتوزيع الأموال بين الأغنى والأفقر، من جانب آخر الشريحة الفقيرة هي التي تضع كل ما يأتيها من أموال بشكل كامل في الاقتصاد، لكن الدولة التي يحكمها حزب البعث هي دولة لكل أبنائها، إذاً ما هو البرنامج أو النهج الذي يمكن أن يتبناه حزب البعث ويعبر عن تقاطع المصالح بين مختلف الشرائح وليس التناقض؟ بمعنى أن الشرائح تربح مع بعضها البعض وليس شريحة تربح على حساب الأخرى، فالفقيرة عملياً هي قوة شرائية، إن لم يكن وضع الفقراء والشريحة الوسطى جيداً لا يمكن للاقتصاد أن يتحرك، وميسورو الحال وأصحاب رؤوس المال هم القادرون على خلق فرص عمل في البلد، فإذاً علينا أن ننظر إلى الطبقة الكادحة أو الفقيرة نظرة اقتصادية قبل أن ننظر نظرة اجتماعية، لأن النظرة الاجتماعية تحول الحزب إلى العمل الخيري، أما النظرة الاقتصادية فهي تحوله إلى العمل الاقتصادي الذي يحقق مصلحة هذه الشريحة ويحقق مصلحة المجتمع بشكل عام ويحقق مصلحة الدولة بنفس الوقت.
وفي الوضع السياسي، أكد الرئيس الأسد أن العنوان الأهم والأبرز اليوم هو الموضوع الفلسطيني، وأبرز ما فيه عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، ولكن بشكل لم يسبق له مثيل على الإطلاق منذ نشأة هذه القضية في عام 1948، فاليوم اتضحت عدالة هذه القضية على مستوى العالم، وانكشفت حقيقة الكيان الصهيوني الإجرامية بالنسبة لمعظم العالم، وتراجع الدعم العالمي الذي حظيت به (إسرائيل) على الأقل على مستوى العالم، طبعاً وليس على مستوى الغرب، على مستوى الغرب منذ البداية، ولكن على مستوى العالم منذ تم توقيع اتفاقيات أوسلو.
وقال الرئيس الأسد: هذا الشيء سوف يخلق مشكلة مزدوجة الأولى هي للكيان الصهيوني الذي عاش على تعاطف العامة من الغربيين، ليس فقط السياسيين وإنما عامة المواطنين في الغرب منذ الأشهر الأولى لقيامه، وهذه المشكلة ستخلق مشكلة للساسة الغربيين الذين بدؤوا يجدون أنفسهم في مواجهة مع الرأي العام في بلادهم.
وأضاف الرئيس الأسد: المشكلة الثانية هي إصابة وتدهور صورة المنظومة الغربية، أولاً على مستوى العالم، فمنذ الحرب العالمية الثانية وبشكل خاص بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في عام 1991، لدينا أجيال من المنبهرين والمفتونين بالغرب، لدرجة أنهم منومون تنويماً مغناطيسياً، فكل ما يحصل في الغرب هو مذهل ورائع وجميل، وهذه الصورة بدأت تتدهور وتُصاب بالصميم.
وتابع الرئيس الأسد: الأهم من ذلك أن هذه الصورة بدأت تتدهور عند المواطنين الغربيين أنفسهم الذين كانوا يؤمنون بالمبادئ التي تقوم عليها هذه المنظومة، اكتشفوا اليوم حقيقة المبادئ التي تقوم عليها وهي الكذب والنفاق والخداع، خداع شعوبهم أولاً قبل الشعوب الأخرى في العالم.
وقال الرئيس الأسد: لذلك عندما نرى القمع الوحشي الذي لم نره سابقاً في الجامعات الأمريكية ومثلها في فرنسا وألمانيا، وأي تظاهرة تدل على انتقاد (إسرائيل) أو الوقوف إلى جانب غزة، فالهدف الأول ليس بالضرورة (إسرائيل) تحديداً فهي ربيبة الغرب، الحقيقة هذا القمع الوحشي الذي نراه وغير المسبوق يُعبر عن حالة هلع للمنظومة الغربية بشكل عام، هذه الحالة مرت بها المنظومة الغربية في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، وكان هناك تمرد، جانب له علاقة بالتطور الاجتماعي وجانب له علاقة بحرب فيتنام، وجانب له علاقة بأن الجيل الشاب في ذلك الوقت كان ينظر باحتقار وكره للمنظومة السياسية القائمة في الغرب، فكان هناك قمع وكان هناك قتلى في الجامعات، لكن الغرب يعتقد بأنه منذ ذلك الوقت بعد خمسة عقود قد تمكن من تدجين الشعوب الغربية وخاصة الشباب، وكانت ذروة هذا التدجين هي مرحلة الكورونا، كما رأينا ما يحصل الآن هو خلق حالة هلع ورعب لدى هذه المنظومة من أن يكون هناك إمكانية لتمرد شعبي لتلك المنظومة.
وأكد الرئيس الأسد أن الحرب على غزة فضحت دعاة الاقتداء بالغرب في عالمنا العربي وفي سورية، الغرب بحريته وديمقراطيته وقيمه العظيمة الرائعة، بحضارته، بإنسانيته وبمدنيته، أولئك الأشخاص الذين يحملون في عقولهم أقصى ما يمكن لإنسان أن يحمل من عقد نقص ودونية تجاه الأجنبي، لم نسمع هؤلاء يتحدثون أو ينظّرون حول موقف الغرب من الحرب على غزة، موقف الغرب الداعم لـ (إسرائيل) سياسياً، مشاركة القوات العسكرية والأمنية الغربية بشكل مباشر في الحرب، إرسال السلاح إلى (إسرائيل)، لم نسمع كلمة أو تصريحاً أو ملاحظة، لم نسمع عن الديمقراطية المتعلقة بقمع الطلاب في الجامعات الأمريكية وغيرها، بالرغم من أنها كانت كلها تحت سلطة القانون، أي متوافقة مع الدستور والقانون، لم نسمع أي شيء عمّا يُطرح الآن في الكونغرس الأمريكي بالنسبة لتوسيع مفهوم السامية، وبالتالي يمنع على أي شخص انتقاد (إسرائيل) كدولة أو الحديث عن الهولوكوست، أو أي شيء آخر يمس هذه المفاهيم.
وقال الرئيس الأسد: لا حاجة لتكرار موقفنا الوطني من الكيان المجرم، موقفنا ثابت منذ نشوء القضية الفلسطينية ولم يهتز للحظة أو ظرف، ولا أتحدث عن هذه الحرب، أقول عن القضية الفلسطينية منذ عام 1948، بكل الظروف التي مرت بها سورية، والانقلابات والاستقرارات وغيرها، لن نتنازل اليوم لأن جوهر القضية لم يتغير ولأن العدو نفسه لم يتغير، والمتغير الوحيد هو الأحداث بشكلها الخارجي، المجازر ليست بطارئة على سلوك الكيان الصهيوني، سواء ارتفعت، ازدادت، انخفضت، لا يهم، والانحياز الغربي الأعمى للصهيونية من قبل الدول الغربية ليس بجديد، وطالما الوضع لم يتغير والحقوق لم تعد، لا للفلسطينيين ولا للسوريين، فلا شيء يبدل موقفنا، أو يزيحه مقدار شعرة، وكل ما يمكن لنا أن نقدمه ضمن إمكانياتنا للفلسطينيين أو أي مقاوم ضد الكيان الصهيوني سنقوم به دون أي تردد.
وشدد الرئيس الأسد على أن موقفنا من المقاومة وتموضعنا بالنسبة لها كمفهوم أو ممارسة لن يتبدل، بالعكس هو يزداد رسوخاً، لأن الأحداث أثبتت أن من لا يمتلك قراره لا أمل له بالمستقبل، ومن لا يمتلك القوة لا قيمة له في هذا العالم، ومن لا يقاوم دفاعاً عن الوطن فلا يستحق وطناً بالأساس، فالخضوع يعطي شعوراً كاذباً بالأمان وربما بالقوة وأحياناً بالوجود أو الكينونة، لكن إلى حين، إلى حين ينتهي هذا الدور وتنتهي المهمة المطلوبة، ليتم بعدها الاستغناء عن الأشخاص وعن الدول وعن الأوطان، وعندما يتم الاستغناء عن الأوطان، هذا يعني دمارها وزوالها.