رحلت القذائف وبقي المرض صامداً!

غزل حسين المصطفى:

كان صوتها كفيلاً برسم المشهد أمامي، استخدمت عباراتها ومفرداتها المعتادة دون تكلّف، لكن تلك الغصّة العالقة في حنجرتها جعلتني أعيش الحالة معها، بعد عودتها من حملة الاستجابة لأهالي الغوطة. بين كل جملة وأخرى تقول: (صدّقيني، غزل!) وهي لا تعلم أنني كنت أبكي، فحديثنا كان من خلف الشاشات الإلكترونية بحروف خرساء ربما، لكنها نطقت في ذاك الوقت.

تلك الحالة التي سردتُها كانت تُعيد الشريط أمامي لحالة مماثلة أعرفها، ولكن لم تكن بالسوء نفسه.

تقول صديقتي:

تصوّري أنني وقفت لأعرض لهن طرق الفحص الذاتي للثدي، وكنتُ أظنُّ أن الموضوع قد يكون عابراً بالنسبة لهن، أتممتُ حديثي وختمته بالتأكيد على أهمية الكشف المبكر والفحص وفرق نسب الشفاء مابين كشف مبكر وإهمال الموضوع. هممتُ بمغادرة المكان، لكن عيوناً دامعة أمسكت بأطراف أصابعي، نادتني: (دكتورة، ممكن سؤال؟) قلت: نعم، أنا متطوعة ولست طبيبة، لكن كيف أستطيع مساعدتك؟!

أتعلمين يا غزل؟ بعد تلك اللحظة توقف ربما عندي الزمن، حتى المشاعر والحروف لم تسعفني لأترجم الموقف. للأسف، كانت هي وأخواتها يُعانين من الأعراض ذاتها، على اختلاف درجتها!

وقفت ولم أعرف ماذا أقول لهن، كاد قلبي يشقّ صدري ويمدَّ أصابعه ليمسح دموعهن. لكنهن وبعد كل هذا يأملن ألا يكون هذا المرض قابلاً للانتقال إلى بناتهن، أو أن يستطعن العيش لمدة أطول حتى تستطيع كبرى البنات أن تجدل شعرها وحدها على الأقل.

وقفت تلك السيدة لتقول لي: أعلم أنني مصابة به دون أن أسمع عنه، لأن كل ما أمرّ به أو أحسّه ليس عارضاً بسيطاً، وراحت تُتم حديثها بتفاصيل حالتها!!

والمشكلة أنني أطرح حالة عرفت بها، لكن ما عدد النساء اللواتي يعانين ولا يعرفن السبب، أو يعرفنه وما بأيديهن حيلة!؟

السؤال: هل كانت الحرب التي جعلت أولئك النساء تحت رحمة القصف والحصار وسوء التغذية هي السبب الرئيسي لحالتهن؟!

الأبحاث تُشير إلى أن مرض السرطان بشكل عام لا يعود سببه لعامل واحد فقط، فالوراثة وحتى المواد الصناعية التي غزت حياتنا لها دور في ذلك، إضافة إلى الحرب بما تحمله من انعدام الشروط الصحية اللازمة لكل الأفراد ولاسيما النساء، وكذلك نقص الاهتمام والمراكز المعنية بالموضوع، إضافة إلى مخلّفات القذائف والمواد المُتفجرة، فقد تسرّبت هذه المواد السّامة إلى الهواء والماء وخالطت التربة، لذلك لا يمكن استثناء الحرب من ذلك، كما لا يُستثنى الفقر وانعدام ثقافة الرعاية الصحية والفحوص الدورية في المجتمعات ككل.

وهنا، تعكس الحملات التوعوية حالة إيجابية من التفاعل ونشر الوعي بما يتعلق بجميع الأمراض والسرطان على وجه الخصوص، لاسيما أننا اليوم في أحضان الشهر الوردي.

العدد 1105 - 01/5/2024