حملة (الشهر الوردي).. درهم وقاية خير من قنطار علاج

حسن البني:

كغيرها من بلدان العالم، تشهد سورية، اليوم، حملة توعية مُكثّفة للكشف المبكر عن سرطان الثدي، خلال ما يُسمّى (الشهر الوردي) وعنوانه هو شريط وردي تضعه النساء والعديد من المساهمين أو المتضامنين مع هذه الحملة التي تُمثّل بصيص أمل لكل امرأة وأم عانت من هذا المرض الذي انتشر بشكل كبير بين النساء خلال السنوات الماضية، لدرجة أنه كاد يُعدُّ من الأمراض السائدة وليس من الأمراض الخبيثة كما هو شائع.

وتُعتبر الحرب التي مرّت على السوريين من الأسباب الرئيسية لانتشاره وغيره من الأمراض الأخرى، فالفزع والخوف والقلق الذي تعرّضت له العديد من النساء، إضافة إلى ما تعرضن له من تهجير وضغوط عصبية ونفسية كان كفيلاً بتنشيط وتعزيز أو تدعيم الأسباب الجوهرية العامة لهذا المرض، وأكثرها أهمية هي الحقن الهرمونية وحبوب منع الحمل التي توصف للنساء، كذلك المواد الحافظة والكيميائية التي تُضاف بكميات معينة للمواد الغذائية، والتلوث البيئي والأدخنة التي تتصاعد من المصانع وعوادم السيارات تُعتبر أيضاً من جملة المُسببات لهذا الوباء الذي زادت الحرب من فاعليته، وقد كان التعرّض لغبار الأسلحة والقذائف التي شهدتها جميع المحافظات، وخاصّة استخدام الأسلحة الكيماوية والمُحرّمة دولياً من قبل الجماعات المسلحة ورعاتها الدوليين، له الأثر الأكبر على حياة الناس وانتشار الآفات الخبيثة الحاملة لهذا المرض وغيره. وممّا ساهم أيضاً وأثّر بشكل مباشر على المستشفيات والخدمات الصحية التي تعالج الأورام والأمراض السرطانية هي العقوبات الجائرة المفروضة علينا، فقد خلخلت عمل القطاع الصحي في البلاد.

وبالرغم من ذلك، لا نستطيع أن ننسى دور مشفى البيروني الجامعي، وهو من أكبر المشافي المُتخصصة بمعالجة الأمراض والأورام السرطانية، فهو الوحيد الذي بقي خلال الحرب وما يزال حتى اليوم يقدم خدماته للمرضى بكل اقتدار رغم أنه عانى من نقص حاد في الأدوية والمواد اللازمة للتحاليل الطبية والكيميائية والهرمونية المطلوبة لتحديد العلاج، مثلما عانى من نقص الكوادر الطبية المُدرّبة للتعامل مع الحالات المرضية الوافدة إليه.

وتعتبر حملة الشهر الوردي مبادرة خلاّقة وإنسانية تجاه المواطنين عموماً، ومرضى سرطان الثدي خصوصاً في سبيل الوقاية منه، والمبادرة بعلاجه إن تمّ اكتشافه قبل انتشاره في الجسم كافة. ونأمل ألاّ تكون الحملة الوحيدة خلال شهر في السنة فقط، بل أن تكون هناك حملات أخرى، وإنشاء مراكز أبحاث جديدة للمساهمة في القضاء على مسببات هذا المرض، كما نطالب بأن يكون هناك تشخيص دقيق وكشف سريري أفضل لجميع الحالات المرضية قبل اللجوء إلى أي عمل جراحي أو أي علاج يزيد معاناة المرضى بدل المساهمة في شفائهم، فهناك حالات مرضية بعد أن أتمت العلاج سواء كان جراحياً أو كيميائياً أو شعاعياً، احتاجت بعد فترة من الزمن غير طويلة في بعض الأحيان إلى إعادة الكشف والعلاج بعد الإحساس ببعض الأعراض. وقد يعود ذلك في بعض الحالات إلى سوء تشخيص المرض في مرحلة ما، أو عدم متابعة المرضى وقراءة ملفاتهم بشكل كامل، أو فقدان بعض التحاليل والعيّنات وصور الأشعة التي أُخذت للمرضى، وهذا من شأنه أن يضاعف حالة المريض سوءاً وبالذات مع تقادم العلاج، ممّا يترتّب عليه انتشار المرض بشكل أكبر من جديد.

العدد 1105 - 01/5/2024