في هذه الحياة ما يستحق العناء!

إعداد: إيمان أحمد ونوس:

في ظلِّ ما نعيشه كسوريين من تداعيات أزمة سياسية حادة قادت إلى حرب عشواء عصفت وما زالت تعصف بالفرد والأسرة والمجتمع ككل وعلى المستويات كافةً، لِما حملته من موت وحزن ودمار وتهجير، عدا واقع الحياة اليومية لأيّ شخص في ظروف حياتنا العصرية التي تتسم بالتعقيد نوعاً ما، وكذلك حجم متطلبات المعيشة المتنوعة والمتعدّدة. في ظلّ كل هذا يمكن لأيّ منّا أن يتعرّض لصدمة نفسية أو محنة تؤثّر في حياته وحالته النفسية وبشدّة، هذا أمر وارد وطبيعي. لكن الأهم منه هو معرفة كيفية مواجهة ما نتعرض له من مشكلات وأزمات بحيث نخرج منها بأقل الخسائر والأضرار، وأن نعطي أنفسنا والحياة فرصة جديدة بدل الاستسلام للحزن واليأس.

علينا بدايةً أن نفكّر مليّاً بمعنى الحياة وماهيتها، وكم هي، بكل ما تحمله لنا، جميلة وضرورة نسعى إليها بكل قوانا رغم ما يعترينا في كثير من مراحلها من أسىً وحزن وهموم قد ينوء الكثيرون تحت كلكلها، وأيضاً علينا أن نعي الهدف من وجودنا الإنساني أصلاً. ما يدفعنا لأن نطرح على أنفسنا بعض الأسئلة التي تُشخّص الحالة أو المحنة التي نتعرّض لها من مثل:

– هل لهذه المحنة التي مررتُ أو أمرُّ بها من معنىً؟

– ما هي حاجاتي الآن؟ ومن يمكن أن يكون داعماً ومسانداً لي؟

– ما هي أوراقي وإمكاناتي التي بقيت سليمة رغم تلك المحنة التي صادفتني؟

– كيف أكون جريئاً، وما الذي عليّ فعله مستقبلاً؟

وبشكل عام، ولمواجهة أيّة محنة أو مصاعب، يطرح علماء النفس بعض النصائح التي ربما تكون داعمة ومساعدة لنا في تخطّي ما يعترضنا، وهي على النحو الآتي:

أولاً_ توجيه المشاعر الحادة: عندما يتزعزع الإنسان ويختلُّ توازنه أمام الشدائد والمصاعب، فليحاول أولاً أن يُعبّئ جميع قواه لمواجهتها، وقد تداهمنا مشاعر غالباً ما تكون حادة، ومنها ربما شعور عميق بالذنب أو الخوف، أو ربما شعور يدفعنا للتمرّد. تقول عالمة النفس ماري حدّو: (إن هذه الانفعالات مشروعة، وأن المشكلة تكمن بحدّتها، لأن للمشاعر الشديدة مفعولاً مروّعاً كمفعول قذائف مؤذية، فالأمر لا يتعلق بإنكار تلك المشاعر أو كبتها، ولكن بضرورة توجيهها، فعندما نشعر بالغضب مثلاً، لنضع علامة لقوة هذا الشعور تتراوح ما بين (1-10) علامات، ولنحاول أن نتوقف عند السبب الذي أثار غضبنا، ثمّ نتساءل: ضدّ من نغضب؟ وهل لسخطنا من مبرر؟ فبمجرد أن نضع هذا الشعور في إطار الكلمات ونواجهه بالأسئلة، نجد أن حدّته تخف تدريجياً إن لم تتحوّل من سلبي إلى إيجابي).

ثانياً- إعطاء المحنة معنى: يمكن أن نعتبر ما يحدث لنا من مصائب في هذه الحياة ظلماً شديداً، أو أن ننظر إليه من ناحيته السلبية المدمّرة لا غير. فاليري مواسونييه (مديرة معهد التدريب الذاتي) ترى أنه بإمكان الإنسان أن يتخذ العبر من كل حادث، ويستخدمها لبناء مستقبله، وأنّ كل محنة يمكن أن تعلمنا أشياء كثيرة، وتساعدنا مثلاً أن نميّز بين الأصدقاء المخلصين وبعض الذين يديرون لنا ظهورهم أيام الشدّة، وأن نعي ما هو جوهري ممّا هو ثانوي في هذه الحياة. وقد رأت هذه المدربة أن تحليل هذا الفصل من حياتنا- المحنة أو المشكلة- ومحاولتنا فهم سببه وما تعلمنا منه، هي الطريقة الوحيدة للتوصل إلى دمجه في تاريخ حياتنا من دون أن نتحمّل تداعياته باستمرار.

ثالثاً- تحديد الأهداف: نعم، لا بدّ للإنسان من أن ينتفض أمام ما يصادفه من محن، ولكن عليه أن يعرف كيف يختار اتجاهه ويحدّد معالمه. يقول علماء النفس: (تتمثل المرحلة التالية بالتحرك والعمل، ولكن بطريقة متواضعة وواقعية، ومن الأفضل أن نتوقف عند أولويات أقلّ طموحاً وقصيرة الأجل، لأن الأهداف الصغيرة تتحقّق بسهولة، وتؤدي إلى نتائج صغيرة، لكنها تشكّل علامات نصر على الطريق المؤدية للنجاح).

رابعاً- ضرورة وعي إمكاناتك من جديد: ما هي الطاقات التي ستوظفها في خدمة أهدافك (مشروعاتك) الجديدة؟ هذا السؤال لا بدّ من طرحه. فاليري مواسونييه تشجعنا بقولها: (قبل المحنة كان لديك صفات حسنة، وتتميّز بكفاءات، ولديك مجالات تبرع فيها، كل هذا قد أنستك إياه المحنة، أو أضعفتها لفترة ما، ولكنك ما زلت تمتلكها، وهي لا تزال بين يديك، ولا تتطلّب سوى أن تبحث عنها لتعود إلى السطح، فمهمتك إذاً تتمثّل في النبش عن ذكريات نجاحك لتعود إلى هذه الجوانب الإيجابية في شخصيتك الحافلة بالطاقات).  كما تقول عالمة النفس ماري حدّو: (الأمر يتعلّق بإنعاش الثقة بالنفس بعد أن طغى عليها الحادث الذي أصابك، ولكنها لم تنهدم، وبالطبع يمكنك أن تعتمد على أقاربك وأصدقائك وزملائك). وختمت حدّو محذّرة: (ولكن عليك أولاً أن تبحث عن قواك في داخلك، وألاّ يقوم الآخرون بأكثر من دور الركائز، فإذا طلبت الكثير منهم، فقد تستنزفهم، أو تصطدم بحدودهم).

في النهاية، يمكننا أن نستخلص من كل هذا ما يدفعنا بقوة إلى الحياة من جديد رغم كل المصاعب والمصائب التي تعترضنا، فهل ندرك ذلك من أجل مستقبل أفضل؟

العدد 1107 - 22/5/2024