الحياة رحلة عطاء وفرح

وعد حسون نصر:

الحياة هي أيام وسنوات من عمرنا نقضيها بين أقراننا، مسيرة طويلة في عراكنا من أجل البقاء، من أجل مقومات العيش الأساسية من طعام وشراب وزواج وإنجاب. فكيف لنا أن نستسلم لها إذا كُنّا نحن نديرها؟ وكيف نجعلها تأخذنا إليها، إلى عثراتها وطرقاتها المسدودة أحياناً؟ كيف نستسلم إذا كُنّا نناضل فيها لنفتح هذه الطرقات المسدودة؟

لا ننكر أننا أحياناً نُهزم أمام قوة الحياة وجبروتها، أمام قسوتها وأبوابها المغلقة، أمام ظروفها الاقتصادية والمادية، وأننا نضعف أمام قهرها لنا عندما تأخذ منّا فرداً من أفراد العائلة سواء بالموت أو السفر أو الهجرة. وهنا، لا بدّ أن نُحبط، نستسلم، نُهزم، نبكي ويصيبنا اليأس والبؤس، تخذلنا مشاعرنا لنعتزل كل ما نحب بسبب قسوة الحرمان من شخص كان يشاطرنا الحياة وغيّبته عنّا. لكن لا بدّ أن ننهض من جديد وألّا نستسلم كليّاً للفكرة، هذا ما تريده الحياة منّا وهذا قدرنا، فعلينا أن نجابهها ونكسر حزننا بالفرح، بالسعادة فنختلق اللحظات الجميلة، نلون ذاكرتنا بأيام عشنا فيها ساعات من الضحك والفرح مع من غيبّتهم الحياة، نسترجع ساعات الحب التي تبعث في نفوسنا الرضا والأمل والراحة، نتقبّل الموت لأنه حقٌّ علينا، فلا أحد يعلم عدد سنوات عمره، وإذا أخذت الحياة منّا عزيزاً فمن الطبيعي أن نحزن عليه، نتذكّر تفاصيل حياتنا معه، لكن يجب ألا نستسلم لهذا الحزن، فالحياة مستمرة ولا تقف عند خسارتنا لأحد، أو خسارة عائلتنا لنا فهي تدور بنا ولادةً وموتاً. كذلك إن وجدنا في بيئة لا تتناسب مع طموحاتنا، فليس علينا أن نقف مكتوفي الأيدي، علينا أن نعمل لنخرج من شرانق وعوائق هذه البيئة وهذا المكان المُقيّد لطموحاتنا، أن نعارك وألا نجعل الظروف تفرض علينا رغباتها، لأننا من يصنعها، يجب ألّا نجعلها تقوى وتتغلب علينا لتصنع منّا شخصاً مهزوماً ضعيفاً ومستسلماً لها.

كثير من الأشخاص وجدوا أنفسهم في الحياة وهم لا يمتلكون شيئاً، حتى إن وجودهم مرفوض لأنهم بنظر الآخرين مجرد أرقام، لكن بالطموح والرغبة بالبقاء استطاعوا التغلّب على قسوتها وجبروتها، وجعلوا من أنفسهم أنداداً لها، كسروا جبروتها بالطموح والمثابرة حتى تغلّبوا عليها وصنعوا ذواتهم. هناك أشخاص جاؤوا للحياة معاقين جسدياً لكنهم لم يستسلموا لرغبة الحياة في إيقافهم وتقييدهم عن العمل، فبحثوا عمّا يناسب إعاقتهم وعملوا بمجالهم وأثبتوا وجودهم مثلهم مثل أي شخص جاء للحياة بجسد سليم، حتى أصحاب الإعاقة الفكرية، البعض منهم صنع له مكانة بالحياة بما يتناسب وإعاقته.. قمّة الإحباط أن نقف في مكاننا مكتوفي الأيدي تحت مسميّات عديدة ونقول هكذا فُرِضَ علينا. لا يولد شخص مُقيّد، إنما نحن من يُقيّد ذواتنا بدءاً من فكرة لفِّ الجنين بقطعة قماش، حتى إلقاء كلمات وعبارات هذا يجوز وهذا لا يجوز، وفرض رغبات المجتمع على كل من تلده الحياة!

من قال إن حياتنا خارجة عن إرادتنا؟ هذا الكلام فقط في الموت، إنما في الحياة فما دمنا نحيا فيها ستكون ملكنا نديرها كيفما نشاء وليس العكس، هي من يجب أن تخدمنا لا نحن، لنصنع سعادتنا بها نسعى لراحتنا داخلها، نختار أعمالنا ونُحدّد موقعنا فيها، فنجعلها تأتي على هوانا لا أن نكون على هواها، كل ما في الحياة هو طوعنا باستثناء سنوات عمرنا، لذلك يجب ألّا نستسلم لرغباتها وألا نجعلها تأخذنا إليها كيفما تشاء.

العدد 1107 - 22/5/2024