مقعد خشبي وقضية

غزل حسين المصطفى:

صباح خريفيّ في حديقة عامة، مقعدٌ خشبي كان وحيداً قبل أن يستضيف ذلك الرجل وأعود لأتطفل عليهما، فالشمس لم تترك إلاّ هذا المقعد خارج أسوار أشعتها.

عندي وقت ضائع وعليّ أن أجلس وأنتظر، في منتصف شرودي قاطعني: (النظافة من الإيمان) حفّظناها للأطفال الصغار ونسينا أن نُطبّقها، لأننا الجيل الأكبر سناً والأكثر وعياً، كما يُفترض.

ابتسمتُ، فإنسانيته وغيرتُه لامست روحي، مازلنا نُفكر بالوطن..

نظرت حولي وإذا المكان يعجُّ بالقمامة، وعلى مسافة ليست ببعيدة كان أولئك الطلاب في زيّهم المدرسي، لكنهم يحفّون الرصيف بكسلهم، بدل أن يأكلوا الكتب بشغفهم!

كانت مُعطيات المكان من ناحية الطقس رائعة، وأنا بحاجة إليها، لكن المعطيات المادية سيئة جداً.

عاد ذلك الرجل الطاعن في السن ليُعبّر عن سخطه ممّا يحيط بنا، ويعود بذاكرته إلى زمنه العتيق ويقول: (كنّا نفعل كذا ونعمل كذا… الإنسانية.. الأخلاق).

هذه المرة ابتسامتي هي من قاطعت حديثه، قلت له: تُزعجك هذه الأمور وتشغل ليلي ونهاري القضايا الإنسانية، وقد لا أنام يوماٌ لأني لم أستطع إنقاذ فتاة زواجٍ مُبكر.

ماذا ستقول لو قلت لك إن المخدرات صارت رقمية؟

ماذا لو قلت لك إن غذاء الروح الذي كان طرباً وموسيقا في يوم صار إدماناً؟

حدّق بي وكأني قلبتُ الضفدع أميراً، وقال: وكيف؟

رحت أشرح له القضية، لم تكن إلاّ قصة خيال علمي تمرُّ على مسامعه، لم أشعر بلحظة أنه قد صدّق قولي.

انتهى الشرح ولم أجد منه جواباً لسؤالي: (ما هو الحل؟!)

شدَّ قبضته على عكّازه وقال: ويلي على عمر أقضيه مع هذا الجيل! أين الإنسانية؟!

 

شعرت أني سأكون سبباً في حالة حزنٍ لهذا الرجل، وقد أسبب له حالة معينة نتيجة هذا الخبر.

فصرت أخفّف عنه وأشرح دور الشباب اليوم في إنقاذ جيله، وحتى أهمية الجمعيات الأهلية في نشر الوعي والحدّ من الظاهرة.

ما فُتح باب في دُنيانا إلاّ ونسّمت منه الشرور لذلك المجتمع برمته أفراداً وجماعات ومنظمات معنية بالحالة. وحتى هذا الجيل الذي تُحشد من أجله طاقات هدفها الفتك بروحه وزعزعة قيمه!

فالحقيقة أن علاج القضية كعلاج أي استعمار أو غزو نتعرض له:(المقاومة)! قاومنا بالسلاح ونقاوم بالثقافة والعلم، واليوم علينا أن ننتبه.

ومثلما نعمل على التوعية من الأمراض ونبثُّ اللّقاح في شرايين الرُضّع، كذلك علينا الانتباه لهذه الدوامة التي تُمسك بأيدينا، بذريعّة التغيير، ولا نُدرك أننا نسير نحو الهاوية أو رُبما ما هو أفظع.

العدد 1105 - 01/5/2024