هي أشدُّ خطراً على الأبناء… فاحذروها

إيمان أحمد ونوس: 

إنّ ما أحدثته ثورة الاتصالات في القرن الماضي من تأثيراتٍ وتغيّراتٍ، طالت جميع مناحي الحياة على هذا الكوكب، جعلت الأبوابَ مشرّعةٌ تماماً، فيما كانت حتى زمنٍ قصيرٍ جداً موصدةً، أو شبه موصدةٍ، في وجه رياح التغيير.

ثورةٌ حملت معها أشرعة ذلك التغيير قسراً، أو اختياراً، بفضل استخدامها لتقنياتٍ اجتازت عتبات المسموح والممنوع معاً، لتحطّ رحالها في مجتمعاتٍ ربما كانت مهيّأةً وجاهزةً لاستقبالها، وأخرى لم تكن مهيأةً أو مستعدّةً لها، حيث غزت هذه التقنيات الوجود الإنسانيّ، بكلّ أبعاده الروحية والفكرية، وحتّى البيولوجية، وساهمت بشكلٍ أو بآخرَ بتشكيل منظومة الوعي الثقافي، والاجتماعي، في هذه المجتمعات، وقلّصت الكون كلّه في إطار مجموعة محطاتٍ وأقمارٍ فضائية، لتصبح هي صاحبة القرار في الشأن العام بأسره، في أيِّ بلدٍ من العالم.

ومجتمعاتنا ولا شك، هي واحدةٌ من هذه البلدان، التي استقبلت تلك الرحال دون استعدادٍ وتهيئةٍ، وبلا آليةٍ واضحةٍ للتعامل معها، بالشّكل الصحيح والمفيد، فبقيت متروكةً على هواها، تسرح وتمرح بفوضويةٍ أقرب للضياع منها إلى الاستفادة والتطور، على كافة الصعد الممكنة.

وهكذا، وبكل بساطةٍ، دخلنا عوالم الفضائيات، والخليويّ، والكمبيوتر، والانترنيت، وما إلى ذلك من عوالم أخرى من أبوابها الواسعة، بما هو مفيدٌ أو غير ذلك.

وبمعنى آخر، استخدمت أحياناً لأغراضٍ علميةٍ وأهداف تخدم تطور المجتمع وأمنه، إلاَ أنّنا، ومن جهةٍ أخرى، استخدمناها بشكلٍ شبه عشوائي، دون رقابةٍ من قبل الأهل، أو الحكومة على الأبناء.

وهذا التعاطي المشوّه مع تلك التقنيات، يُشابه إلى حدٍّ كبيرٍ المخدرات التقليدية، باختلافٍ، أن المخدرات التقليدية يجري التعاطي معها بشكلٍ مستترٍ، لما تلاقيه من رفضٍ اجتماعيٍ وأخلاقيٍ ورسميٍ، وحتّى قانوني، وآثارها السلبية والتخريبية قريبة المدى، بينما التقنيات الحديثة، التي لا تلاقي الرفض، لا الرسمي، ولا الاجتماعي، وآثارها السلبية بعيدة المدى، لا تظهر في الأفق المنظور من حياة الشخص، أو المجتمع، وإنما تكمن سمومها وسهامها كالسرطان داخل التكوين النفسي، والفكري للشخص، ممّا يحمل معه آثاراً سيئةً، بالغة الخطورة في علاقته بمحيطه الاجتماعي لاحقاً، من خلال ما غزا بنيته النفسية، والفكرية، من معتقداتٍ ومفاهيم.

لكنّ الأشدّ خطورةً يقع في حيّز الانترنت، الذي يأخذ الكبار قبل الصغار، إلى دروبً قد تكون القاضية فعلاً، لاسيما وأنه أصبح في متناول اليد، عن طريق الهواتف النقّالة، التي تُبعد الشبهة الملازمة لدخول مقاهي الانترنت، أو الجلوس الطويل أمام شاشة الكمبيوتر، وبالتالي، فإن الخطر يزداد يوماً بعد يومٍ، وبنسب مرتفعةٍ ومخيفة.

فالتقارير والتحقيقات الصحفية تُشير إلى اختراقاتٍ متعددة الاتجاهات، لخصوصية الفرد أو المجتمع، عن طريق مختلف تقنيات التكنولوجيا، التي تعد بمآسٍ كثيرة تلحق بمتابعيها.

فهل نُسارع لإنقاذ أبنائنا من براثن وطغيان هذا الخطر المُحدق، الذي هو أشدُّ فتكاً، وأفظع من المخدرات التقليدية المعروفة؟؟!

العدد 1104 - 24/4/2024