موسيقا هواتفنا خطرٌ يهدّد أبناءنا

وعد حسون نصر: 

كلنا يعلم أن المخدرات سمٌّ قاتل، يدمنها الفرد، إما عبر الشم، أو الحبوب، أو عن طريق الحقن بالإبر، والبعض يستخدم (الحشيش، الشعلة، دواء السّعال، حبوب الكبتاجون، وغيرها)، وطبعاً لم يخطر ببال أحدنا أن تلك المخدرات، ستتخذ يوماً ما شكلاً متطوراً، بواسطة الألعاب والموسيقى، من خلال الهواتف الذّكية، ومختلف أدوات التكنولوجيا الحديثة، المتواجدة بأيدي أطفالنا وأبنائنا.

نعم، في الحقيقة هو واقع لا يمكننا إنكاره، وبالتالي فالموضوع على غايةٍ من الأهميّة، لشدّة خطورته على هذا الجيل، والأجيال القادمة، وخاصةً من هم في سنّ الشباب، إنها للأسف مخدراتٌ تُوصَف بالديجيتال، بسبب طريقة وصولها، وتعاطيها من قبل الشباب، التي تُعرف بالمخدّرات الرّقمية، وتُسمّى عالمياً باسم (DigitalDrugs)، إذ يتم الحصول عليها من خلال الإنترنت، وتحميلها على أيّ جهازٍ محمولٍ والاستماع إليها من خلال سماعاتٍ في الأذن، تُحدِثُ تأثيراً مماثلاً تماماً لتأثير المخدّرات الطبيعية، إلاّ أنها تعاطي عن طريق السمع، فهي سمٌ قاتلٌ موجودٌ بيد أبنائنا، ونحن من يقوم بإعطائها لهم، ومع ابتسامةٍ منّا، خشية أن نغضبهم، لعدم استجابتنا لطلبهم، في شراء محمولٍ حديثٍ، أو جهاز حاسبٍ محمولٍ. لذلك علينا أن ندرك تماماً أن أبنائنا يحملون بأيديهم عدوهم القاتل، ونحن من ساعدهم، ليشدّ على عنقهم، ويجعلهم أشدُّ عزلةً وبعداً عنّا، منفردين بأنفسهم ورؤوسهم معبأةٌ ببرامج ومشاعر تحركها أزرارٌ فقط، عبر ألعابٍ وموسيقى وبرامج، تروّجها شركات ٌكبيرةٌ، هدفها تجميد الفكر لدى شبابنا العربي بشكلٍ خاصٍ، وجعله مشغولاً بترّهات تبعده عن التطور العلمي، والإنساني، ليظلَّ بعيداً منساقاً فقط وراء هذه الحداثة، كأنّه عبدٌ لها، تسيطر على شهواته، من خلال لذّةٍ كاذبةٍ تزيده عنفاً، وتفقده متعة الحياة الاجتماعية، إذ يشعر معها أنه يحلّق بفضائه الخاص، وحيداً، وسيّد نفسه.

لكن ما إن يرتطم رأسه بجدار الواقع، حتى يستيقظ، ويجد نفسه في صقيعٍ يأكله، لشدّة وحدته، فلا دفئَ، ولا ونيسَ ينسيه برد روحه في تلك الظلمة، جرّاء تكنولوجيا، جاءت في مكانها الخاطئ.

لذلك علينا نحن كأسرة أولاً، أن نراقب ما يتعاطاه أبناؤنا، من ثقافة قبل الطعام، فغذاء الروح والفكر، أهمُّ من غذاء الجسد، لأن موت الروح أشدُّ وطأةً، لذلك فمن الضروري الانتباه لما يستمع إليه أبناؤنا، من برامج، وموسيقى، وألعابٍ، خاصةً تلك التي تأتي عبر الانترنت، إن لم يكن بمراقبة المحمول بشكلٍ يوميٍ، وذلك من خلال برنامجٍ يسمى المراقبة الأبوية، أيضاً علينا أن نكون أنيس أبنائنا، فلا نجعلهم وحيدين بعيدين، ونتيح لهم فرصة الحوار والتسلية، وكذلك الترفيه بنزهاتٍ ورحلاتٍ تجعلهم مشغولين عن أجهزة الحاسب والمحمول، أطول وقتٍ، وأيضاً إشغالهم بالرياضة والفنون والرسم.

ولا ننسى دور المدرسة، من خلال منع التلاميذ إدخال أيّ شيءٍ غير الكتب والدفاتر، والعمل الجاد على مصادرة المحمول من التلاميذ، والطلاب، ما دون الجامعة، كما على الدولة، ومن خلال أجهزتها، الرقابية الخاصة، حجب تلك المواقع ومراقبتها، كي لا تتيح للفساد مجالاً أكثر بين جيل شبابنا، أمل المستقبل، ولكي نستطيع مواجهة مرض العصر القاتل، الذي لا دواء له سوى المراقبة والتّوعية، يجي ألّا نجعل أبناءنا هدفاً للحداثة، التي تغيّبهم عنّا، فتقتل فينا حيوية الروح حين تُزهق أرواح أبنائنا.

العدد 1105 - 01/5/2024