الشائعة الظاهرة… آليات انتشارها وبعض قضاياها

ظاهرة (الشائعات)، وانتشارها في البيئات، والمجتمعات كافة، هي ظاهرة عالمية، وتلعب دوراً سلبياً في المجتمعات التي تنتشر فيها، فتشيع مزاجاً يائساً وإحباطياً، وتساهم في زيادة حالة التوتر النفسي لدى الأفراد والجماعات. والشائعات إحدى وسائل الحرب النفسية ضد الخصم في الحروب والمنازعات، ومحاربة الشائعات، والرد عليها وتفنيدها، وسرعة كشف زيفها هي من وسائل تخفيف أثرها ودحضها، وتحصين المجتمعات، والأفراد ضد سلبيات تأثيرها.

وللشائعات أنواع كثيرة، بعضها: سياسي، وبعضها اقتصادي، وبعضها اجتماعي.. وإذا كانت شائعات مبرمجة، ولها جهاتها فهناك وسائل لنشرها وتعميمها كالصحف، والتلفزيون، والأفراد وغيرها.

أما إذا كانت إشاعات محلية وسماعية، فغالباً ما يتداولها أناس عاطلون عن العمل، كثيرو الكلام، لا عمل لهم سوى نقل الشائعات وتضخميها والاشتغال بها من مكان إلى آخر، والدخول في نقاشات سطحية، وغير موضوعية في تأكيد شائعاتهم، وتضخيمها، ومحاولة إثبات صحتها. وغالب هؤلاء يعيشون شيئاً من الأوهام. والإحباط، ويظنون بخلفية (سيكولوجية) نفسية أنهم يعوّضون نقصهم أو يحققون بعض ما هو في عقلهم الباطن من أمان وأحلام وأوهام ومحاولة الظهور وإثبات الوجود.

لانتشار الشائعة آلية نفسية، فلها فعلها النفسي في البعض، ولها تقبلها لدى كثيرين، وقد تسوق الشائعة في مجتمع معين، ولا ينجح تسويقها في مجتمع آخر بسبب ارتباط تسويقها بالوعي النفسي، والعقلي، ومستواه بين مجتمع وآخر، غالباً يكون مصدر الشائعة ومصدر انتشارها غامضاً.

وعندما يسأل مروجها عن مصدرها يقول: سمعت من فلان، تحدث فلان، قيل في المقهى الفلاني والسهرة الفلانية.. إلى غير ذلك من عموميات. إذ إن موضوعية نقل خبر ما تقتضي تحديد المرجعية، وواقعية الحدث، والتوصيف المقارب للواقع بعيداً عن التضخم، والخيال.

وقسم كبير من الشائعات والأخبار تكون ناقصة الرواية، وضعيفة التماسك، وصعبة التصديق. وفي مسار الشائعات، وانتشارها تكتسب الشائعة أهميتها من: مدى التفاعل أو الانتظار أو الترقب الذي تحدثه في بيئة انتشارها. وتختلف البيئة حسب الشريحة التي تقصدها الشائعة، فإذا سرت إشاعة (زيادة الراتب) للعاملين في الدولة مثلاً  فالمهتمون بالإشاعة بالدرجة الأولى هم الموظفون، والعاملون في الإدارة والمعامل وغيرها. وهنا يكون انتقال الإشاعة بين فئة الموظفين أكثر من غيره، ويكون الحديث والسؤال عنها بين هؤلاء هو الأكثر اهتماماً، ويعمل مروجو الشائعات المقصودة في التوجه إلى الشرائح الاجتماعية التي تهمها الشائعة وخبرها.

في المجال السياسي تستخدم الشائعة سلباً وإيجاباً، مثلاً قد يكون هناك فتنة، أو إثارة، أو مشكلات في حيز اجتماعي، والجهة المعنية، حكومة أو وزارة، بصدد المعالجة بقوانين أو إجراءات أو غيرها، فتطلق بعض الشائعات التمهيدية للتهدئة والتهيئة والتخفيف ريثما يتم الإجراء، ويأخذ صفته التشريعية والقانونية.

في الدراسات النفسية يقال: إن الأشخاص المليئة أنفسهم/ بالحسد/ تجاه الآخر، وما يملك، وما يشغل من منصب، أو موقع، أو ملكية، أو تميز.. يكون هدف الحاسدين، وموضع إشاعتهم، وحديثهم وأخبارهم. وبعض الذين يطلقون شائعات أو مشكلات، أو قضايا، أو فساد. وقد يكونون هم من يمارسون هذه القضايا، وهذا الفساد، فيكثرون الحديث عن فساد الآخرين ليعمموا الظاهرة ومناخها، أنها حال قائم، وموجود في كل مكان.

في الاشتغال على الوعي الفردي، والجمعي في التعامل مع الشائعة، وهذا موضوع يبدأ من البيت، وتعليم الأطفال على عقلنة ما يسمعونه، ثم التفكير والسؤال قبل نقل الإشاعة وتسويقها.

كما أن وجود بعض الدروس المنهجية في المدارس، خصوصاً في علم النفس، وعلم الاجتماع حول ظاهرة الشائعات، وانتشارها، وكيفية وعيها، وتحليلها، والرؤية العقلية فيها، هي من الوسائل التربوية في ثقافة الأجيال حول التعامل مع الشائعة.

إن التثقف بالفكر العلمي والعقلي والناقد والمحلل، والبعد عن كل فكر مغلق، وأحادي، وباتجاه واحد، ومتعصب يجعل الفرد يقرأ القضايا برؤية نقدية، ولا يؤخذ بأوهامها وشائعاتها. إن ثقافة المحاكمة العقلية البعيدة عن الإثارة ورد الفعل هي أساس في عدم تأثير الإشاعة في الفرد والجماعة.

إن محاربة الشائعات تكون بالصمت، وعدم نشرها، وبالرد العقلاني الموضوعي عليها، وكشف الزيف الإعلامي والإشاعي فيها، وبالوسائل والأساليب التي تصل إلى الجماهير، وإلى عقولها.

هذه مقاربة لبعض قضايا الشائعة وانتشارها ودورها وكيفية التعامل معها، وما أكثر الشائعات في مجتمعاتنا!

العدد 1105 - 01/5/2024