مصر… الجيش يحمي الديمقراطية والهوية العربية للدولة

نقطتان اثنتان ساهمتا في تشكيل صورة (الإخوان المسلمين) لدى الرأي العام العربي في هذا العام الأصعب على منطقة الشرق الأوسط:

 الأولى هي غرور قادة (الإخوان) وتكبرهم بسبب المكاسب التي حصلوا عليها من خلال اختطافهم لموجة (الربيع العربي) التي ضربت المنطقة. وقد ظهر غرور الجماعة بوضوح في مصر، متمثلاً في التذرع بنتائج الانتخابات للسيطرة على مفاصل القرار في الدولة، واستبعاد كل القوى السياسية الأخرى التي لعبت دوراً مهماً في الحراك الاجتماعي والسياسي الذي أدى إلى إسقاط نظام حكم حسني مبارك. وتَوهّم قادة الجماعة أنهم قد أحكموا السيطرة على مصر، وهوّنوا من شأن التحذيرات التي وُجهت إليهم بشأن رد فعل المجتمع الغاضب تجاههم. لقد أعماهم غرورهم عن رؤية الحقيقة التي كانت واضحة للعيان، وهي أن المجتمع كان يلفظهم ويستعد لإزاحتهم، وهو ما حدث بالفعل.

والنقطة الثانية هي شهوة السلطة التي يسعى إليها (الإخوان) منذ ثمانين عاماً، فقد امتلكتهم هذه الشهوة التي بدا خلال الأسبوعين الماضيين أنهم على استعداد لارتكاب كل الفظائع والموبقات والجرائم من أجل استعادتها، حتى إذا كان الثمن هو دمار الوطن. فكان مدهشاً أنه بمجرد أن أزاحتهم جموع الشعب الرافضة لهم، أصبحت تصرفاتهم تفتقر إلى أدنى درجات الحكمة والمنطق. وتوالت تهديداتهم بإغراق البلاد ببحور من الدم والعنف وإحراق مصر وتدميرها. وخرجت عصاباتهم المسلحة إلى الشوارع لترتكب فظائع وجرائم في حق المدنيين والعسكريين سجلتها ووثقتها وسائل الإعلام.

لكن أخطر الهجمات التي تعرض لها المدنيون تلك التي اصطبغت بالصبغة الطائفية، فقد أدت الهجمات التي تعرضت لها الكنائس في عموم مصر وعمليات القتل للأقباط إلى قرع جرس الإنذار للتنبيه من العنف الوحشي الذي بدأت تتعرض له الأقليات الدينية في مصر. فقد سلطت صحيفة »لوس أنجلوس تايمز« الأمريكية في تقريرٍ لها  الضوء على ما أطلقت عليه القنبلة القابلة للانفجار في أي وقت في مصر، وهي رغبة »إخوان مصر« والتيار السلفي في الانتقام من الأقلية الشيعية والمسيحيين في مصر، رداً على تأييدهم المطلق لعزل الرئيس السابق محمد مرسي.

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن شيعة مصر يبلغ عددهم مليون شخص، وهو الرقم الذي قد يشكل مفاجأة مدوية لغالبية المصريين الذين لم يشعروا بوجود هذا المذهب قبل أن تنفجر الصراعات الطائفية الممتزجة بالمشاكل السياسية في لبنان والعراق وسورية.

وأضاف تقرير الصحيفة الأمريكية «حينما كان حسني مبارك في سدة الحكم بمصر واجه أحمد هلال السجن أربع مرات لأسباب عقائدية ودينية. وعلى الرغم من ذلك فهو وغيره من شيعة مصر يحلمون بعودة الأجواء التي كانت سائدة في عصر مبارك، خاصة أن مشاعر الكراهية ضدهم ارتفعت بصورة لم يسبق لها مثيل في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي. وهم الآن يواجهون خطراً أكبر في ظل اليقين الذي يسيطر على جماعة الإخوان في مصر من أن الشيعة والمسيحيين ساندوا خطوة الجيش بعزل مرسي، وحرصوا على المشاركة في المظاهرات التي أطاحت بالحكم الإخواني».

وتابع التقرير «إن أحمد هلال تلقى على هاتفه رسائل تهديد بالملاحقة والقتل، وهو يخشى مثل غيره من شيعة مصر من انتقام الإخوان والسلفيين منهم لأسباب عقائدية في الأساس ثم سياسية في الفترة الأخيرة. ولكن هلال وغيره من شيعة مصر يشعرون بالسعادة لأنهم حرروا بلادهم من قبضة الحكم الإخواني».

كما أشار التقرير الأمريكي إلى أن 10 % من سكان مصر من المسيحيين لا تختلف مخاوفهم كثيراً عن مخاوف الشيعة، إذ يخشون من انتقام تيارات الإسلام السياسي، وخاصة الإخوان والسلفيين منهم، لأنهم شاركوا بصورة واضحة في مظاهرات ومسيرات الإطاحة بمرسي.

يذكر أن هناك خلافاً كبيراً في تقدير عدد المسيحيين في مصر، ولكن الشائع أنهم يشكلون 10 % من سكان البلاد، وقد يصل عددهم إلى 8 ملايين في الداخل و 4 ملايين في المهجر، فيما أشارت أعلى التقديرات إلى أنهم يبلغون 13 مليوناً، مما يجعلهم التجمع المسيحي الأكبر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ويُشكّل المسيحيون مع الأقلية الشيعية قوة كبيرة في الحراك السياسي في مصر، إلا إن اختلاط السياسة مع الدين أصبح يهدد استقرار المجتمع المصري، وأصبحت الفتنة الطائفية أو المذهبية قنبلة موقوتة تهدد الجميع في ظل انفجار الوضع السياسي والأمني.

 

مصر بين النموذج التركي والمستنقع الجزائري

لم يتضح بعد الاتجاه الحاكم لمسار الصراع السياسي في مصر بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وتداعي حكم الإخوان المسلمين، إذ إن تصاعد العنف، وانسداد أفق التسوية السياسية، وانخراط أطراف دولية وإقليمية عديدة بالمشهد السياسي المصري، واتساع نطاق الانقسامات الأيديولوجية؛ كلها عوامل رسمت خرائط احتمالية متناقضة للتحولات السياسية، وما تتضمنه من تداعيات خطيرة على الاستقرار الداخلي وتداول السلطة بشكل سلمي. وقد زاد ذلك من احتدام الجدل حول ملامح نموذج التغيير السياسي الذي ستتبعه الحالة المصرية في المرحلة الانتقالية الجديدة.

 

النموذج التركي

تتلاقى الحالتان المصرية والتركية في أكثر من زاوية، وأهمها مركزية دور المؤسسة العسكرية في حماية بقاء وتماسك مؤسسات الدولة ضد محاولات تسييسها واختراقها، وهو ما تجلى في ثورة 25 كانون الثاني 2011 وانتفاضة 30 حزيران 2013. ففي الحالة التركية أدى الالتزام الدستوري للمؤسسة العسكرية بحماية قيم النظام الجمهوري والعلمانية إلى تدخلها في عام 1980 لإنهاء حكم حزب المحافظين، مع التزامها بخريطة طريق شملت إعداد دستور جديد وانتخابات بداية من عام 1982. فضلاً عن حظر الأحزاب الدينية بداية من حزب الوطن الأم، مرورًا بحزب الرفاه وانتهاء بحزب الفضيلة، رغم الانتصارات الانتخابية المهمة التي حققتها تلك الأحزاب.

بيد أن اللافت في النموذج التركي تمثل في اتجاه التيارات الإسلامية للاعتدال والقبول بقيم الجمهورية والعلمانية، وذلك بتأسيس حزب العدالة والتنمية في أب ،2001 والتركيز على القضايا الاقتصادية والتنموية، وهو الذي أسهم في صعودها إلى سدة الحكم بداية من عام ،2002 خاصة مع تقديم وجوه جديدة مثل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الجمهورية عبد الله غول، ونائب رئيس الوزراء بولنت أرينج، وهي وجوه عصرية ومختلفة عن الأنماط التقليدية لزعامات التيارات الإسلامية. ويمكن القول إن مجموعة من عوامل قد تسهم في دفع جماعة الإخوان المسلمين في مصر إلى محاكاة النموذج التركي، والعودة إلى الاعتدال يتمثل أهمها في:

1- مخاوف العزل السياسي والتهديدات المتصاعدة لبقائها، وخاصة مع تآكل قاعدتها الشعبية خلال فترة توليها السلطة، واتهام أغلب قياداتها بالتحريض على العنف، أو التخابر مع جهات أجنبية.

2- تراكم خبرات الأنشطة الخيرية والخدمية للجماعة على مدار سنوات تضييق مساحات العمل السياسي التي أهلتها لأداء دور سياسي مهم مع تصاعد نفوذها في الأقاليم النائية، كأحد أبعاد اختلال التوازن في توزيع عوائد التنمية، وضعف سلطة الدولة على الأطراف.

3- فرض قواعد دستورية ملزمة تدفع نحو الاعتدال، وترتبط بمدنية العمل السياسي، وحياد الإدارة، وحظر اختراق مؤسسات الدولة، وضبط الحريات الإعلامية، فضلاً عن حظر تشكيل ميليشيات مسلحة وخطاب التكفير والوصاية القيمية على المجتمع.

بيد أن الخطاب التحريضي للجماعة ونزوع أنصارها للعنف والاشتباكات الدامية مع قطاعات مختلفة في المجتمع على امتداد المحافظات، قد يحول دون تكرار هذا النموذج، فضلا عن أن استعداء الجماعة للشعب سوف يؤدي إلى تقويض فرصها الانتخابية لاحقًا لفترة قد تمتد لسنوات.

 

المستنقع الجزائري

إن سيناريو «المستنقع الجزائري» هو الأكثر كارثية على الأمن والاستقرار في مصر، لا سيما أن تصاعد وتيرة العنف والاشتباكات الأهلية الدامية كشفت عن قواسم مشتركة بين الحالتين، إذ إن تفجر الصراع السياسي في الجزائر ارتبط بتدخل المؤسسة العسكرية في عام 1992 لإلغاء الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية بعد فوز ساحق للجبهة الإسلامية للإنقاذ، مما اضطر الرئيس الشاذلي بن جديد إلى الاستقالة، ثم تفجر ما أطلق عليه »العشرية السوداء« مع نزوع التيارات الإسلامية للعنف والمواجهات الدامية مع القوات المسلحة والمجتمع بما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 200 ألف شخص، فضلاً عن آلاف المفقودين، إلى أن اكتملت أركان المصالحة الوطنية بإصدار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في عام 2005.

وعلى الرغم من تسليم الفرقاء السياسيين كافة باختلاف الحالة المصرية عن نظيرتها الجزائرية، فإن مساحات التلاقي والتقاطع بينهما آخذة في الاتساع، بداية من تحول خطاب التيارات الإسلامية نحو النزوع للعنف والصدام مع الدولة والمجتمع، وتماهي الخطوط الفاصلة بين المعتدلين والراديكاليين، مرورًا بتصاعد حدة الاشتباكات الدامية التي وصل عدد ضحاياها إلى نحو300 قتيل على مدار شهر من الاعتصامات السياسية. خاصة بعد أحداث الحرس الجمهوري والنصب التذكاري، وتورط مؤيدي الرئيس السابق في صدامات عنيفة مع الأهالي في بعض المناطق، وانتهاء بتفجر عمليات التنظيمات الإرهابية التي أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 50 قتيلاً، ناهيك بالاشتراك في محفزات الصدام المسلح وهو التنافر الحاد بين مؤسسات الدولة والتيارات الإسلامية وصراع الهوية بين أممية إسلامية لا تعترف بحدود الدول، ووطنية تتمسك باعتبارات السيادة وتعتز بمصريتها وتعدّ نفسها بيت العرب.

إلا أن ثمة عقبات عديدة تعترض انطباق النموذج الجزائري على الحالة المصرية تتلخص فيما يلي:

1- النطاق المحدود للصراع، وإدراك التيارات الإسلامية مخاطر المواجهة الدامية مع المجتمع، خوفًا من إعادة إنتاج عهد الحظر السياسي، أو مواجهة الاحتمال الأخطر وهو الاستئصال المجتمعي، بما يؤدي إلى فرض حدود على توظيف العنف.

2- تآكل الدعم الشعبي للإخوان المسلمين بعد إخفاقاتهم في الحكم، وهو ما يرتبط بما كشف عنه استطلاع المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) حول اقتصار نسبة المتعاطفين مع اعتصامات مؤيدي الرئيس السابق على 20% ممن شملهم الاستطلاع، في مقابل 71% من غير المتعاطفين، فضلاً عن الحشد غير المسبوق في الميادين، في 26 تموز الفائت، استجابة لدعوة وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي.

3- النزوع السيكولوجي للاستقرار الداخلي لدى المواطنين، والشعبية الطاغية التي تحظى بها المؤسسة العسكرية، كضامن لبقاء الدولة المصرية وما حازته من شرعية تاريخية في التصدي للتحديات الداخلية والخارجية.

مصر على مفترق طريق

تشهد مصر حالة من الاضطراب الأمني والسياسي بعد أن قامت قوات الأمن صباح الأربعاء 14 آب 2013 بتنفيذ قرار فض اعتصام مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي في ميدانَيْ رابعة والنهضة، وهو القرار الذي أُجّل لفترة طويلة، وتخوف المراقبون من تداعياته، واختلفوا حول تقييم فعاليته. ولكن بطبيعة الحال، لم يكن هذا القرار ليمر دون أن يزيد من تعقد الأوضاع على الساحة الداخلية بغض النظر عن كيفية تقييمه، ودون أن يُحدث مجموعة من الآثار التي من شأنها أن تغير من ملامح المشهد السياسي في مصر، والقواعد الحاكمة له، والفواعل التي يُتوقع أن تلعب الدور الرئيسي فيه.

تداعيات فض الاعتصام

(قضي الأمر الذي فيه تستفتيان)، صدق الله العظيم، ونسألكم الدعاء. هكذا أعلن الجهاز الإعلامي لوزارة الداخلية بدء تنفيذ مخطط فضّ اعتصامات أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، في إشارة إلى (رابعة العدوية) و(النهضة) في تمام الساعة السادسة والنصف من صباح يوم الأربعاء 14 آب 2013. كانت قيادة الجيش، الحاكم الفعلي للبلاد، قد حسمت خيارها، وقرّرت المضي قدماً في الحلّ الأمني، رغم معارضة المجتمع الدولي، ورغم تداعيات مثل هذا الخيار على السلم الأهلي في مصر.

وقد أسفرت عمليات فض الاعتصام في ميداني رابعة العدوية والنهضة عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى من صفوف مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي، فضلاً عن سقوط ضحايا من رجال الشرطة، غير أن ثمة مجموعة من التداعيات الأمنية والسياسية برزت إثر عملية فض الاعتصام أبرزها:

– توسيع دائرة الاضطرابات الأمنية، إذ هوجم عدد كبير من أقسام الشرطة على مستوى الجمهورية عقب بدء الفض، واستهدف الكثير من المنشآت العامة، والمرافق، والكنائس.

وعلى الرغم من نجاح قوات الأمن في فض الاعتصامين، فإن الاشتباكات لم تقتصر فقط على ميداني النهضة ورابعة، وإنما تجددت في أماكن أخرى في مختلف المحافظات. وترتب على ذلك صدور قرار من مجلس الوزراء يقضي بفرض قانون الطوارئ لمدة شهر، وفرض حظر التجوال في 14 محافظة.

– تزايد الضغوط الدولية، إذ نتج عن فض الاعتصام موجة من الرفض الدولي، والإدانة لقرار الحكومة باستخدام القوة وإعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال، فقد قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها ستراجع المساعدة لمصر »بكل الأشكال« بعدما ألغى الرئيس باراك أوباما خططاً لمناورات عسكرية مقررة مع الجيش المصري الذي تقدم له واشنطن مساعدات سنوية بقيمة 3,1 مليار دولار، كما قال أوباما (تندد الولايات المتحدة بشدة بالخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية المؤقتة وقوات الأمن). أضف إلى ذلك ، ازدياد التوتر بين القاهرة وأنقره ، بعدما استدعت تركيا سفيرها لدى القاهرة للتشاور بعد الإدانة القوية من أنقرة لما عدّته قمعاً لاعتصامات الإخوان، وهو ما ردت عليه القاهرة بإجراء مضاد باستدعاء السفير المصري في تركيا للتشاور.

– بروز خلافات بين القوى السياسية داخلياً، خاصة بعد تقديم الدكتور محمد البرادعي نائب الرئيس الانتقالي استقالته احتجاجاً على استخدام القوة ضد المؤيدين، وهو الموقف الذي تبرأت منه جبهة الإنقاذ، وقالت إنه لا يمثلها، وإنها تدعم قرار الحكومة دعماً كاملاً. كما وُجِّهت انتقادات عديدة لهذه الاستقالة من مؤيدي الفض، وذلك لأن من شأنها أن تحرج الحكومة دوليّاً، وتدعم موقف الإخوان في توقيت حرج. في الوقت نفسه، أدانت القوى الإسلامية كحزب النور، وحزب مصر القوية، والجماعة الإسلامية، وتحالف دعم الشرعية وغيرها، استخدام ما وصفته (بالعنف المفرط ضد المعتصمين السلميين). في المقابل بدا أن القوى السياسية المؤيدة لـ30 تموز أكثر تماسكاً بتأييد التيار الشعبي وجبهة الإنقاذ وحركة تمرد لإجراءات فض الاعتصام.

قبل أقل من سنة عزل محمد مرسي، وزير الدفاع حسين طنطاوي. ووصف كثيرون تلك الخطوة بأنها ضربة معلم، وقدروا أنه مع إبعاد الطنطاوي سينجح الإخوان المسلمون في تدجين الجيش المصري، كما فعل أردوغان بالجيش في تركيا، وأن يؤمنّوا حكمهم بذلك. بيد أنه تبين أن الإخوان المسلمين قد حفروا حفرة لأنفسهم ووقعوا فيها: فبدل الطنطاوي العجوز الذي ارتبط في وعي المصريين بنظام مبارك، حصل على عبد الفتاح السيسي، وهو ضابط شاب ممتلئ حيوية ونشاطاً وطموحاً.

مع تعيين السيسي عادت للجيش المصري قوته، وضُرب الإخوان المسلمون ضربة على مرحلتين. فقد عُزل أولاً ممثلهم عن الرئاسة، ويُعزل الإخوان الآن من الشوارع. وسيُعزلون قريباً من الفضاء العام والإعلامي، كما حدث بالضبط في الأيام الأولى من حكم عبد الناصر.

مرّ عزل مرسي بسهولة نسبية، وكذلك أيضاً تفريق المظاهرات وفض الاعتصامات في القاهرة. وما دام الشباب المصري الذين أسقطوا مبارك يؤيدون الجيش ويلتفون حوله بصفته حامي الوحدة الوطنية فإنه يستطيع أن يقمع حركة الإخوان المسلمين مهما كان حجمهم في الشارع، وإن احتاج الأمر إلى بعض وقت. هذا ما كان عليه الأمر في ثورة تموز ،52 وهذا ما ستكون الحال عليه أيضاً بعد أحداث 14 آب 2013.

العدد 1107 - 22/5/2024