على هامش التقرير الاقتصادي والاجتماعي للمؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد

يشير التقرير إلى اتكاء الأحداث على الأخطاء المتراكمة، وهذا أكيد، بالتالي فإن بدء الأحداث من المناطق الأكثر حرماناً، هو قول خاضع للتمحيص، فلو جرت المقارنة بين ما حصل في محافظة درعا، وهي موقع ابتدائي للحراك، ومناطق أخرى يشار إلى أنها نالت نصيباً كبيراً من الرعاية والاهتمام، وبالمقارنة مع الأوضاع السابقة لهذه المناطق، سنجد أن ما أنجز في محافظة درعا، في جميع المجالات، هو أوضح وأبرز، ويعرف ذلك من يعرف البلاد جيداً، سابقاً ولاحقاً، دون أن يعني ذلك أن أية منطقة قد نالت حقها أو ما يكفيها من الاهتمام والتنمية.

وانطلاقاً من الأوضاع التي أحدثتها الأزمة وأوضحتها، فإن ما تغنّينا به مما وصلت إليه بلادنا من تطور وأمان، بدا أقرب إلى الخلبي والمخادع، فكل ما يمكن أن يجري التراجع عنه في لحظة معينة ليس تطوراً، فمن سمات التطور الحقيقي ثباته ودوامه، ما يعني أن الأمان وحسن التعايش بين المكونات الوطنية والوحدة المجتمعية، لم يكن كما تصورنا وأعلنّا، أو كما ورد في التقرير.

ما يحدث أصاب الوحدة المجتمعية بنكسة وخلل أثبتا وهم قوتها المعلنة، وكانت أسرع في الاهتزاز وإلحاق الضرر بها عن طريق اللعب على المفارقات، من قبل القوى التي تستثمر في الفتنة لضمان استمرارها أطول وقت ممكن، ما يشير إلى هشاشة المنجز المغطى بوهم حضاري عقلاني.

مما يجب النظر إليه بعناية فائقة، ما أصاب وضع المرأة في المجتمع، وهذا من أهم روائز التقدم المجتمعي، فهذا الدور الذي يعاني أساساً من خلل بنيوي، جاءت الأحداث لتزيده إرباكاً، فهناك مئات آلاف الأرامل من النساء الشابات، والثكالى من الأمهات، ومئات آلاف الأيتام من الأطفال الذي أوكلت رعايتهم إليهن، مثلما أن هناك أعداداً كبيرة من الفتيات اللواتي فاتهن أو سيفوتهن سن الزواج، وسيتحولن إلى العنوسة وعدم وجود رعاية من أب أو أخ أو زوج، ودون عمل، فالكثير من الشباب هم من ضحايا الحرب، وغيرهم لم تتركهم الأزمة في وضع مؤهل للزواج، ما يعني بقاء أعداد كبيرة من جيل الفتيات دون زواج ولن يعدن مرغوبات لذلك مستقبلاً، والمطلوب إيجاد شكل من الرعاية لهؤلاء المفجوعات المنتظرات، ولا ضوء في آخر النفق.

مما تجب ملاحظته ما أصاب الطبيعة من دمار، خاصة قطع الغابـــات وحرقهـــا، وإهمــــال الأراضي الزراعية، وحرق الأشجار المثمرة وقطعها، كما يلاحظ انتشار القمامة حول الطرقات وفي البراري وبين البيوت نتيجة ضعف أداء البلديات في أطوار الأزمة، لأسباب منها الموضوعي، ومنها المصطنع، وكل ذلك يتطلب تغييراً في طرق الأداء، وتحمّل المسؤولية من قبل الجميع.

يحتمل التقرير الكثير من المماحكة، لكن للاختصار نشير إلى الاهتمام بقضايا:

1- عند مقاربة العمل، من الضروري الدفاع عن حق العامل، لكن أيضاً من الضروري الحض على تأمين إنتاجية جيدة والتمسك بقيم العمل وأخلاقياته، فلا يكفي الحضور إلى موقع العمل دون أن تكون هناك إنتاجية، إن ذلك إهدار للوقت وللقيمة والوطنية، وهذا هو السائد في بلادنا.

2- التفكير بإعادة البناء، لكن الأهم وقف الدم والدمار، ووضع الجهود للاستثمار في ذلك.

3- اتخاذ موقف مسبق من غسل الأموال التي تظهر عقب انتهاء الأزمة لتحاول كسب الشرعية.

4- محاولة الوقوف في وجه من عمل على إدارة الأزمة لتحقيق مكاسب، خاصة تلك القوى الخارجية أيا كانت، ومن يرتبط بها في الداخل، والتي قد تحاول الانقضاض على المكاسب.

5- الوقوف بحزم ضد أي مشروع لتقسيم البلاد وإحداث خلل في بنيتها بشكل صريح أو مبطن مثل شعار الفدرالية.

6- استدراك مواقع الخلل سواء في مجال الحريات أو محاربة الفساد أو التبعية للخارج أو إهمال الإشراف على توجهات الثقافة الدينية محاباة لمن ينتمي إلى القرون الوسطى وينتج الإرهاب.

7- لملمة الجراح أو محاولة بلسمتها في إطار المواطنة، كعمل له الأولوية، وانتهاج الواقعية في تقدير الأمور، بالابتعاد عن الإيهام أننا كنا في وضع نحسد عليه، فقد ثبت أنه رأي مخادع.

8- إصلاح شأن التربية والمدارس كما الجامعات والتعليم العالي، فوضعها منذ ما قبل الأزمة كارثي.

9- وضع البرامج لإخراج المواطنين من الحالة الكابوسية، ورعاية الأطفال والشباب ومن تعرض لخسارة بعض أهله، رعاية نفسية واجتماعية واقتصادية.

10- دعم أساليب عمل تنطلق من الورش المحلية والسريعة التي يمكن أن تنشط الحياة الاقتصادية وحالة الناس المعيشية، وتمتص البطالة وتطويرها، خاصة في الأرياف والبلدات والمدن التي تغيب عنها المدن الصناعية.

11- تمكين الثقافة العلمانية ومناهجها دون أن يكون في ذلك إساءة للدين أو مواجهة معه، بل لإخراج البلاد والعباد من الاصطفافات القاتلة، وتمكين المناهج العلمية والعقلانية من توجيه الحياة العامة، وليكون الدين عامل وحدة للمجتمع يؤدي إلى تماسكه لا إلى تمزقه، وذلك بإبعاده عن مجالات السياسة، وإقلاع السلطة عن محاباة بعض الجهات أملاً في كسب تأييدها، إذا كان ذلك على حساب المواطنة، فنفعه القريب له أضرار كارثية، كما أثبتت التجارب التاريخية.

12- محاولة العمل على إيجاد صيغة أكثر فاعلية وصدقاً مع الواقع في مجال العمل الجبهوي، وإعطاء الأحزاب حرية التنافس الديمقراطي في تقديم الأفضل للوطن، وإتاحة مجال سياسي لجميع القوى ذات النهج السلمي والساعية لتقديم الخدمة للوطن والمواطنين، على أن تكون الأفضلية، لا لصاحب الخطاب الأكثر مخادعة، بل للأكثر قدرة على نفع الوطن والمواطنين.

العدد 1105 - 01/5/2024