المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري (الموحد): وقف العنف وسفك الدماء من جميع الأطراف

المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري (الموحد): وقف العنف وسفك الدماء من جميع الأطراف

ومنع توريد السلاح والمسلحين من خارج الحدود

 

التطبيق الواقعي لأحكام الدستور والقوانين الإصلاحية الأخرى

الإسراع بمعالجة أوضاع المهجرين والنازحين

الانطلاق نحو حوار وطني شامل وواسع بين جميع الأطراف

 

عقد المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري (الموحد) اجتماعاً بتاريخ 23/9/،2012 ناقش فيه التطورات التي تشهدها البلاد وتداخلاتها الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الأوضاع الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وصدر عن الاجتماع رسالة سياسية هذا نصها:

 

قامت سياسة حزبنا الشيوعي السوري (الموحد) منذ فترة طويلة على أن الأوضاع الداخلية في سورية تشكل معادلة ثلاثية الجوانب: القضية الوطنية، والقضية الاقتصادية والاجتماعية، والقضية الديمقراطية. وأن هذه الجوانب الثلاثة متداخلة ومترابطة على نحو وثيق، بحيث أن إضعاف أو إهمال أي جانب منها سيؤدي إلى إضعاف الجوانب الأخرى. وأكد حزبنا في جميع وثائقه ومؤتمراته السابقة، وخاصة في مؤتمريه العاشر والحادي عشر أن حماية الموقف الوطني وصيانته يتطلب تعزيز الوحدة الداخلية في البلاد، هذه الوحدة التي لا بد لضمانها من تلبية مطالب الجماهير الشعبية الاقتصادية والاجتماعية من ناحية، وإشاعة الديمقراطية في حياة البلاد السياسية من ناحية أخرى. وقد عزز الحزب موقفه هذا باستمرار بالكثير من المطالب الملموسة على الصعد المذكورة كافة.

إننا نرى اليوم أن الخلل بين جوانب هذه المعادلة كان في أساس الأزمة التي تعانيها البلاد منذ أكثر من سنة ونصف.

السياسات الاقتصادية وأثرها على الجماهير

فبعد أعوام استمرت خلالها معاناة الجماهير الشعبية من سوء الأوضاع الاقتصادية وتدهورها نتيجة سياسة الانفتاح التي مورست، وانعكست على أحوال هذه الجماهير من ازدياد للفقر، وتوسع للبطالة، وخاصة بين الشباب، وفيهم حملة الشهادات وخريجو الجامعات، مقابل تراكم الثروة وبروز مظاهرها الفاحشة لدى قلة من متنفذي السلطة، فضلاً عن إهمال المناطق المهمشة للمدن والبلدات وللأرياف بشكل عام، وتنفيذ سياسة استملاكات جائرة في الكثير من هذه المناطق، والتي شكلت بؤرة خصبة للاحتجاجات، وكذلك الافتقار إلى الحياة الديمقراطية السليمة، واستئثار البعض بالسلطة، وسيطرة العقلية الأمنية في جميع نواحي الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، وتفش للفساد في أجهزة الدولة، كان من الطبيعي أن ينفجر الحراك الشعبي في سورية على أرضية الاستياء الواسع من جميع تلك المظاهر، التي شكلت الأسباب الحقيقية والعميقة لهذا الحراك الذي انطلق مطالباً بتغيير جذري وحقيقي لطبيعة السلطة القائمة، والذي أخذ في البداية شكل مظاهرات سلمية تحت شعارات الحرية والكرامة، متأثراً في ذات الوقت بالمناخ الذي أشاعته الانتفاضات التي اندلعت في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن.

إلا أن هذا الحراك الشعبي، ذا المطالب المحقة في الأساس، تم السعي والعمل على إجهاضه وحرفه عن مساره السلمي وأهدافه المشروعة منذ البداية من جهتين:

فبعض القوى في السلطة من ناحية رفضت في البداية الاعتراف بشرعية المطالب الشعبية، وخاصة لجهة التغيير الديمقراطي، وجابهت هذا الحراك بالوسائل الأمنية والقمعية. وجاءت الإجراءات الإصلاحية لاحقاً متأخرة ومنقوصة، مما دفع أعداداً كبيرة من المحتجين السلميين إلى الارتماء بأحضان المجموعات المتطرفة.

والقوى الأجنبية التي كانت ترغب وتسعى منذ زمن طويل لإخراج سورية من دائرة التحالف المعادي لمخططاتها الرامية إلى الهيمنة على المنطقة، والهادفة إلى إعادة رسم خريطتها بما يتناسب مع مصالحها الجيوسياسية والنفطية، وجدت في الأجواء السورية الفرصة المواتية لاستغلالها، فدفعت المجموعات المسلحة، التي هيأتها  مسبقاً عُدَّة وعِتاداً، إلى امتطاء التحركات الشعبية، وتحويلها، سواء من حيث الشعارات أم لجهة الأساليب التي اتبعتها، نحو غايات وأهداف مختلفة تماماً عما كانت ترمي إليه أصلاً.

الأزمة السورية.. الواقع والحلول

وهكذا أخذت الأزمة السورية طابع صراع عسكري عنيف ودموي. فسيطر العنف والعنف المضاد على مسارها. وغدا القتل والذبح والتعذيب والخطف والاغتيال والمجازر الوحشية والتدمير للبنى التحتية والأملاك الخاصة والعامة، وانتشار عصابات النهب والسرقة، عناوين الحياة اليومية في معظم المناطق السورية. وفي الوقت الذي أخذت تدخل المجموعات المسلحة الأحياء السكنية في المدن والبلدات جاعلة منها متاريس عسكرية، ومن السكان المدنيين دروعاً بشرية، يستخدم الجيش جميع أنواع الأسلحة، وفيها المدفعية والدبابات والطائرات المروحية. مما نجم عنه حركة نزوح بشرية واسعة إلى مناطق أخرى داخل البلاد والبلدان المجاورة شملت أكثر من مليونَيْ إنسان يعيشون في ظروف إنسانية بالغة السوء والصعوبة.

في الأسابيع الأولى من الأزمة كان البعض -وفيهم بعض المعارضين الوطنيين – ينكر وجود مجموعات مسلحة بشكل مطلق. وإذ بدأت تظهر نشاطات هذه المجموعات ووقوع بعض التفجيرات الإرهابية هنا وهناك، وجَّه هذا البعض تهمة القيام بها إلى النظام ذاته ؟ وعندما أخذت المجموعات الإرهابية ذاتها تعلن عن مسؤوليتها عن هذه الأعمال اكتفى هذا البعض بالقول إن النظام هو المسؤول عن توليد العنف وحسب، في إصرار على عدم رؤية القوى التي تقف وراء هذه المجموعات الإرهابية سواء الداخلية أم الإقليمية أم الدولية، وعلى عدم الرغبة في الاعتراف بمرامي وأهداف هذه القوى. وكان بعض هذا البعض يتذرع أحياناً بأن مجرد الاعتراف بوجود مجموعات مسلحة يقدم خدمة للنظام، ويعطيه الذريعة لاستمرار ممارساته العنفية والأمنية في موقف يفتقر إلى المسؤولية الوطنية والأخلاقية.

لقد أظهر تطور الأحداث لاحقاً -وعلى نحو لم يعد من الممكن إنكاره- أن عمليات التسليح والتدريب وتهيئة الأوكار والسراديب ومخازن الأسلحة والمستشفيات الميدانية وأجهزة الاتصال المتطورة وغيرها وغيرها لم يكن ابن ساعته، ولم ينجز خلال أيام أو أسابيع وحتى أشهر، وإنما جرى الإعداد له خلال فترة سبقت اندلاع الأزمة داخل سورية بزمن طويل. وكان لفساد بعض الأجهزة دور في استباحة الحدود لتهريب السلاح من مختلف الدول المجاورة. وقد سقطت المزاعم بأن الغاية من الانتقال إلى التسلح وتشكيل ما سمي (الجيش الحر) هي حماية المتظاهرين وحسب، من خلال طبيعة الأعمال التي مارستها وتمارسها هذه المجموعات ضد الدولة ومؤسساتها يومياً. وليست تصريحات أحد قيادي المعارضة البارزين (هيثم مناع) بأن قوى أجنبية عديدة عرضت عليه السلاح بعد عشرة أيام فقط من بدء الاحتجاجات، سوى أحد الأدلة على توجه هذه القوى منذ البداية.

إن ما تجدر ملاحظته هنا أمران هامان لابد من إدراكهما لتقييم مجرى الصراع العسكري الناشب وأثرهما على آفاق هذا الصراع، بل وعلى مجمل تطور الأزمة الحالية في سورية:

الأول: هو أن الطابع العام للمجموعات المسلحة هو طابع ديني سلفي، تغيب عنه الشعارات الوطنية العامة، وتغلب عليه الشعارات الدينية التي تتجلى بأسماء هذه المجموعات (كتائب الفاروق – لواء الإسلام – لواء التوحيد – فجر الإسلام – أحفاد الرسول.. وغيرها..)، فضلاً عن توسع تأثير المجموعات السلفية و(الجهادية) الأكثر تطرفاً، رافعة الرايات السود (كجبهة النصرة) التابعة للقاعدة، وازدياد أعداد الأجانب المرتزقة من البلدان الأخرى العربية وغير العربية، وتعترف الدوائر والصحافة الغربية ذاتها بهذه الوقائع.

الثاني: هو التدخل العسكري الواضح  غير المباشر  في دعم هذه المجموعات العسكرية المسلحة في سورية، والذي أضحت القوى الخارجية ذاتها تعرب عنه علناً، سواء من خلال تصريحات المسؤولين الأمريكيين والغربيين، أم من خلال ما تنشره العديد من الصحف الغربية، والذي يتجلى بالدعم اللوجستي والمخابراتي ووسائل الاتصال والمناظير الليلية وتدريب المقاتلين وتزويدهم بأحدث أنواع الأسلحة، وفيها الأسلحة المضادة للدروع والصواريخ المضادة للطائرات. ناهيك بالحرب الإعلامية العالمية التي لم يسبق لها مثيل من خلال عشرات الفضائيات في دعم سياسي ومعنوي فائق التأثير للجماعات الإرهابية المسلحة.

إن لوحة الصراع العسكري اليوم، بعد ثمانية عشر شهراً من بدء هذا الصراع، لا تدع مجالاً للتفاؤل بقرب انتهائه في القريب المنظور. فرغم أن الجيش العربي السوري تمكن خلال الأشهر الأخيرة من إعادة السيطرة على مناطق وبلدات أساسية، لا تزال المجموعات الإرهابية المسلحة تفرض وجودها على مناطق أخرى هامة من البلاد.

وما يمكن استنتاجه من اللوحة الحالية بشكل عام -رغم أنها متبدلة بين يوم وآخر- هو أن الصراع العسكري بلغ درجة من الاستعصاء يصعب على أحد طرفيه تحقيق حسم عسكري ناجز فيه، على الأقل في الأمد المنظور، وإذا تحقق بعد حرب طويلة فسيكون الثمن الكثير من الدماء، والكثير من الضحايا، والكثير من الدمار والخراب للبلاد. ولا يبدو أنه قد تم التوصل إلى مثل هذه القناعة حتى الآن، مما يبعث على التشاؤم الشديد بما هو آت من الأيام، ويوحي بأن الخاسر الأكبر في المحصلة سيكون الشعب والوطن.

على الصعيد السياسي: لا يبدو أن الطريق شبه المسدود الذي بلغته الحلول السياسية -حتى الآن- للخروج من الأزمة السورية أقل استعصاء مما بلغه الصراع العسكري المسلح.

إن الأزمة السورية هي أزمة داخلية في الجوهر، نشأت نتيجة الخلل في طبيعة النظام الذي استمر خلال العقود الماضية، وأضحى لا بد معه من إجراء تغيير جذري في الوضع الداخلي ينقل البلاد إلى دولة ديمقراطية مدنية قائمة على التعددية السياسية. إلا أنه كان من الواضح منذ بداية هذه الأزمة أنها قد اتخذت طابع مسألة دولية -بل أكثر القضايا الدولية أهمية في الوضع الراهن- تتداخل وتتعارض فيها الأهداف والمصالح الإقليمية والدولية، التي لم يعد من الممكن الخروج منها دون توصل معظم هذه الأطراف إلى اتفاقٍ ما حولها.

ومن جهة أخرى يمكن القول إن المسألة السورية ليست متأثرة بالوضع الدولي وحسب، بل أضحت مؤثرة فيه تأثيراً عميقاً على نحو لعبت فيه هذه القضية بالذات دوراً أساسياً في إنهاء مرحلة ما كان يسمى سيطرة القطب الواحد على الساحة الدولية التي استمرت منذ ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي. كما أن جميع الأطراف العربية والإقليمية والدولية تدرك على نحو واضح أن أي تطور في هذه المسألة سيترك بصماته العميقة على مجمل الأوضاع في المنطقة بل والعالم.

ومن هذه الزاوية يمكن فهم خلفية المواقف السياسية لمختلف القوى الإقليمية والدولية التي تتعامل مع المسألة السورية، والتي تجسدت سواء في مجلس الأمن أم خارجه. فالولايات المتحدة ودول حلف الناتو ومنفذو سياساتهما في المنطقة من تركيا ودول الخليج تطمح إلى ضم سورية إلى المحور العربي الموالي لها، بما يخدم مصالحها ومطامح إسرائيل من ناحية، ولإخراج روسيا نهائياً من المنطقة، وعزل إيران والمقاومة من ناحية أخرى. ومن الواضح أن شعارات الديمقراطية والإنسانية التي ترفعها هذه الدول ليست سوى ذريعة وغطاء لتحقيق تلك الأهداف.

ناهيك بأن صراعاً خفياً يدور حول تمديد أنابيب الغاز من الخليج إلى أوربا، وحول مستقبل استثمار بحر الغاز الذي تعوم عليه منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. كما لا يمكن عدم رؤية الطموح السعودي الوهابي إلى كسر (الهلال الشيعي) بهدف استكمال (البدر السني)، وهي (السعودية) تدفع لتحقيق هذا الهدف نحو إثارة المشاعر الطائفية وتحويل الأزمة في هذا المسار.

الموقف الدولي من الأزمة

ولابد لنا في صدد الوضع الإقليمي والدولي المحيط بالأزمة السورية من ملاحظة أن القضية الفلسطينية هي الغائب الأكبر في المرحلة الحالية، وكذلك الإشارة إلى أن ردود الفعل الواسعة المعادية للولايات المتحدة على الفلم المسيء للإسلام، وخاصة في دول (الربيع العربي) ستخلط الكثير من الأوراق، وتضطر الولايات المتحدة التي تحصد ما زرعته هي ذاتها بيديها، على إعادة النظر ببعض حساباتها في المنطقة، وهاهي ذي كلينتون تعبر عن فجيعتها من مقتل السفير الأمريكي في مدينةٍ (ساهمنا في تحريرها) على حد قولها. مع ملاحظة أن المظاهرات التي حصلت في هذه البلدان تعبر عن أحد مظاهر التنافس بين السلفيين من جهة، والإخوان المسلمين فيها من جهة أخرى، لكسب الشعبية في أوساط المسلمين المتدينين.

أما روسيا والصين ودول البريكس ومجموعة شنغهاي ومعظم دول عدم الانحياز فترى أن المعركة حول سورية تتمحور حول تطبيق أحكام القانون الدولي والشرعية الدولية، ورفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول، وفي عدم السماح للولايات المتحدة وحلفائها بإحكام سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط، من ناحية، وكذلك الحيلولة دون تمدد القوى السلفية والأصولية أكثر فأكثر من ناحية أخرى، مما يشكل خطراً مباشراً على الخاصرة الغربية والجنوبية لهذه الدول.

وقد أكد البيان الصادر عن قمة دول عدم الانحياز في ختام أعماله بطهران في 31/8/2012 ضرورة الاعتراف والاحترام بالتنوع والنوعية في المجتمع الدولي واحترام السيادة الدولية.

وكان من الطبيعي إذن أن تعمل دول التحالف الأمريكي والغربي والخليجي و(العثملي) على إفشال جميع المبادرات الدولية التي استهدفت التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية. فرغم موافقتها اللفظية على خطة كوفي عنان ذات النقاط الست، ورغم تصويتها بالموافقة على بيان جنيف حول سورية، عملت دون كلل على عرقلة تنفيذها، والاستمرار في دعم المجموعات المسلحة بمختلف الوسائل. مما دفع عنان أخيراً إلى التخلي عن القيام بالمهمة التي كلف بها، وإلى سحب المراقبين الدوليين.

مؤخراً كلَّف مجلس الأمن والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي بمهمة جديدة، وأبدت سورية استعدادها للتعاون معه للقيام بمهمته، كما أعلنت روسيا دعمها له. إلا أن المعارضة الخارجية أعلنت مباشرة رفضها لهذه المهمة، وتوقع ما يسمى (الجيش الحر) لها مصيراً مشابهاً لمصير خطة سلفه كوفي عنان. ودعا مكتب البرلمان العربي الإبراهيمي إلى الانسحاب من مهمته، بينما أبدت بعضَ أوساط المعارضة الوطنية الداخلية تفاؤلها بها. وقد قام الإبراهيمي في اليومين الماضيين بزيارة إلى سورية التقى خلالها الرئيس بشار الأسد ومسؤولين سوريين آخرين، كما التقى بعض ممثلي المعارضة الداخلية، وأجرى حواراً مع أشخاص مما يسمى (الجيش الحر) على السكايب، ثم غادر إلى عدد من البلدان المجاورة لسورية في طريقه إلى القاهرة، ومن ثم إلى الأمم المتحدة، حيث يتوقع أن يقدم في 24/9 تقريراً حول مهمته إلى مجلس الأمن. وهو لم يقدم حتى الآن تصوراً أو خريطة طريق واضحة لعمله المقبل. وعليه فمن السابق لأوانه التنبؤ بمدى نجاح مهمته.

لقد أصبح واضحاً أن نجاح أو فشل أي مبادرة من أية جهة كانت، يتوقف أولاً وآخراً على توافق جميع القوى الإقليمية والدولية على ضرورة التوصل إلى حل سياسي وسلمي للأزمة السورية، وبالتالي على مدى تعاون الأطراف المعنية لتنفيذه على الأرض. علماً أن التوازن الداخلي بين مختلف القوى في الداخل هو الذي سيحدد في المحصلة الطبيعة والشروط والمحتوى لأي اتفاق إقليمي أو دولي.

وتؤكد روسيا والصين وغيرهما في هذا الصدد، أن الحل يجب أن ينطلق من تنفيذ مقررات مؤتمر جنيف حول سورية، المتضمنة خطة عنان ذات النقاط الست، وفي إصرار منها على الاستمرار بموقفها تجاه الأزمة السورية ترفض اتخاذ أي قرار في مجلس الأمن يتضمن عقوبات ضد سورية، وخاصة رفض أي شكل من أشكال التدخل العسكري ضدها.

وفي سعي روسيا والصين التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية من خلال الحوار الوطني، جرى العديد من زيارات لوفود من المعارضة الوطنية إلى موسكو وبكين، فضلاً عن لقاءات أجراها نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف في باريس مع بعض ممثلي المعارضة في الخارج. وأعلن وزير الخارجية الروسي بعد هذه اللقاءات أن بعض المعارضة الخارجية ترفض الحوار مع النظام، وهي عاقدة العزم على إسقاطه. وصرح هيثم مناع في ختام زيارة وفد هيئة التنسيق إلى الصين قبل يومين أنه قد تم الاتفاق على محاولة التحضير لعقد اجتماع سياسي واسع في موسكو، تشارك فيه قوى وشخصيات سياسية من السلطة والمعارضة.

وضمن النشاط السياسي الدولي حول سورية، ولد العديد من المبادرات، منها الإيرانية ومنها العراقية، ومنها تشكيل ما سمي مجموعة الاتصال الرباعية بمبادرة من مصر. وتضم هذه اللجنة مصر وتركيا والسعودية وإيران.وعقدت هذه اللجنة اجتماعاً لها في القاهرة يوم 17/9/2012 وتغيبت السعودية عن الاجتماع، وكانت إيران قد اقترحت توسيع هذه اللجنة لتضم العراق وفنزويلا. بينما بحثت مجموعة ما يسمى (أصدقاء سورية) التي اجتمعت في لاهاي يوم الخميس 20/9 عن اتخاذ عقوبات جديدة ضد سورية.

مواقف المعارضة السورية.. المعارضة السورية لا تزال تنقسم إلى تيارين أساسيين:

وقد كانت المعارضة الخارجية، المرتبطة بأشكال مختلفة بالمشروع الغربي للمسألة السورية، والتي تتلقى مختلف أشكال الدعم من أصحاب هذا المشروع، منسجمة منذ البداية حتى اليوم مع نفسها ومع المشروع ذاته. فهي ترفض جميع الحلول السلمية والسياسية للأزمة. ولا تقبل بأقل من إسقاط النظام جملة وتفصيلاً وتسليمها السلطة. وهي إذ تدرك عدم توفر الإمكانيات الذاتية والقدرة لديها لتنفيذ ذلك، طالبت ولا تزال بالتدخل العسكري المباشر على الطريقة الليبية أو الكوسوفية أو غيرها لتحقيق أهدافها. وهي لا تزال تأمل بإمكان صدور قرار دولي يضمن قيام (مناطق آمنة) في شمال سورية، رغم أن فرنسا ومسؤولي حلف الناتو قد أعلنوا بوضوح أن مثل هذه المناطق يتطلب توفير حظر جوي لهذه المناطق، وهذا غير وارد من قبلها لأسباب تتعلق بقدرات الدفاع الجوي لسورية ومخاطر أخرى.. ومع ذلك لا تزال أنقرة تحاول جر حلفائها للقيام بعمل ما في هذا المجال.

ويعد (المجلس الوطني) الهيكل الرئيس لهذه المعارضة خلال المرحلة الماضية، وشكل الإخوان المسلمون القوة الرئيسة فيه، فضلاً عن جماعة حزب الشعب (رياض الترك) وإعلان دمشق. إلا أن العديد من الانشقاقات والانسحابات حصلت منه في الأشهر الأخيرة، مما أضعفه لدرجة كبيرة وأفشلت ما كان يطمح إليه هذا المجلس من اعتباره الممثل الشرعي للشعب السوري من قبل بعض الدول الغربية، رغم ما يحظى به من إبراز في بعض الفضائيات، كالعربية والجزيرة وغيرها.

وشكل هيثم المالح الذي انسحب من المجلس الوطني تنظيماً جديداً، أعلن عنه في القاهرة (الائتلاف الوطني السوري)، ويسعى إلى تشكيل حكومة انتقالية، علماً أن حكومات أخرى يجري السعي لتشكيلها من أكثر من تنظيم معارض في الخارج بعد أن طالبت فرنسا المعارِضة بالإسراع بذلك.

كما تسعى بعض المجموعات والشخصيات الموجودة في الأردن إلى تشكيل تجمع جديد برعاية المنشق مناف طلاس، ولم تتبلور بعد ملامح وتركيبة هذا التجمع الجديد. وتعقد في عمان لقاءات بين ضباط عسكريين منشقين لتوحيد التشكيلات العسكرية المعارضة تحت اسم (الجيش الوطني السوري).

المعارضة الوطنية، سواء الداخلية منها أم بعض أطياف الخارجية، تضم بشكل أساس في الداخل (الهيئة الوطنية السورية للتغيير الديمقراطي) و(تيار بناء الدولة) و(حركة معاً من أجل سورية حرة ديمقراطية) و(المنبر الديمقراطي) و(ائتلاف وطن) وأحزاب كردية عديدة، فضلاً عن تنظيمات وشخصيات وطنية معارضة أخرى، وفيهم عدد من المثقفين البارزين.

وتُجمِع هذه الأحزاب والمنظمات المعارضة الوطنية على رفض العنف، ورفض التدخل الخارجي، ورفض التسلح، مع تأكيد رفض الاستبداد والعمل من أجل الانتقال السلمي نحو دولة ديمقراطية مدنية.

وقد دعت هيئة التنسيق ومنظمات وشخصيات أخرى إلى عقد مؤتمر للمعارضة السورية في دمشق في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، تحت اسم (المؤتمر الوطني لإنقاذ سورية)، وأعلن أنه سيشارك فيه نحو 20 حزباً و12 منظمة أهلية، وشخصيات معارضة معروفة كحسين عودات وعارف دليلة وطيب تيزيني، إلا أن بعض أطراف المعارضة الوطنية في الداخل أعلنت عن عدم مشاركتها في هذا المؤتمر.ونأمل أن يشكل انعقاد هذا المؤتمر في حال نجاحه بقعة ضوء في قتامة الوضع السوري.

كما أعلن مؤخراً عن الدعوة لعقد ما سمي (مؤتمراً وطنياً شاملاً للمعارضة السورية في الداخل)، وضمت لائحة بيان الدعوة إلى هذا المؤتمر أكثر من عشرين حزباً وتكتلاً ولجنة منها: الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير، وحزب الإرادة الشعبية، والحزب السوري القومي الاجتماعي، وائتلاف قوى التغيير السلمي.. ولم يحدد موعد لانعقاد هذا المؤتمر بعد.

لقد فشلت المعارضة بشكل عام في التوصل حتى الآن إلى صيغة تجمعها جميعاً، رغم مطالبات الدول الغربية وسعيها الحثيث إلى تحقيق ذلك، ورغم محاولات المعارضة التوصل إلى مثل هذه الغاية. وحتى بعد توقيع عدد هام منها على ما سمي (العهد الوطني) ولائحة (المرحلة الانتقالية) في القاهرة.. ويرجع السبب في الفشل في تحقيق عملية التوحيد لا إلى الخلافات الفكرية والسياسية والتنظيمية بين مختلف أطيافها، وكذلك التنافس على المناصب والتمويل وحسب، بل وإلى عدم الاتفاق بين المرجعيات الإقليمية والدولية التي يتبع لها معظم هذه المعارضات.

الصعيد الاقتصادي والاجتماعي:

لقد استعرض التقرير المقدم إلى اجتماع المكتب السياسي المنعقد في 2/9/2012 على نحو مفصل مدعم بالأرقام والإحصائيات مجمل المشهد الاقتصادي والاجتماعي في البلاد بعد مرور سنة ونصف من بدء الأزمة. وقد ذكر التقرير النتائج السلبية الخطيرة التي نجمت عن سياسة الحصار والمقاطعة التي مارستها الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وتابعيهم ضد سورية، وترافق ذلك ببطء وتأخر تنفيذ الإجراءات الحكومية اللازمة لمواجهة تلك السياسة، وانعكاسات كل ذلك على حياة المواطن المعيشية اليومية.

كما أوضح التقرير أن أبرز مظاهر الوضع الاقتصادي والاجتماعي تتلخص بتوقف العديد من المنشآت الصناعية والخدمية، وتراجع الإنتاج الزراعي، وازدياد نسبة البطالة، وارتفاع الأسعار مقابل انخفاض القوة الشرائية للمواطنين، واستنزاف الاحتياطي من القطع الأجنبي، وضعف السيولة النقدية لدى الحكومة، وتراجع القدرة التصديرية سواء بالنسبة للنفط أم بالنسبة للمواد الصناعية والزراعية، وبعد أن طرح التقرير بعض المقترحات الملموسة لمعالجة هذه الأوضاع، أكد أن معالجة النتائج الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الحالية في سورية اليوم تبدأ عمليا بالمعالجة السياسية لهذه الأزمة.

على الصعيد الشعبي:يتبدل المزاج الشعبي يوماً بعد يوم. ولم تعد القضية بالنسبة للأكثرية الساحقة من المواطنين هي قضية الموقف من النظام سلباً أو إيجاباً وحسب، فالمسألة الرئيسية بالنسبة إلى المواطن اليوم هي ضمان الأمن والاستقرار في حياته اليومية. إنها إعادة بناء منزله المهدَّم أو المهجَّر منه، والعودة إلى عمله، والطفل إلى مدرسته، وتأمين قوت يومه وخبزه وكهربائه وغازه ومازوته. والمواطن في ذات الوقت الذي يرفض فيه أن يحتل المسلحون حيه ومسكنه بذريعة (تحريره)، ويستخدمون هذا المواقع كمتاريس ضد الجيش، لا يستطيع أن يفهم أو يبرر للجيش قصف هذا المنزل والحي وتدميره، وقتل المدنيين الأبرياء بهدف القضاء على المسلحين فيه.

إن غالبية شعبنا التي تطمح إلى مجتمع يقوم على الحرية والكرامة والمساواة بين جميع المواطنين، بغض النظر عن الدين والطائفة والعرق والجنس وإلى مجتمع الرفاه والعدالة الاجتماعية، وهي تتطلع إلى التغيير نحو قيام هذا المجتمع. ترفض في ذات الوقت أن يهدر استقلال الوطن أو يقسم أو أن تدخل البلاد في حرب أهلية أو طائفية لا تبقي ولا تذر تحت أي ذريعة أو مبرر. وهي ليست مستعدة في جميع الأحوال للقبول بنظام يعود بها قروناً إلى الظلامية والسلفية.

ويزداد الوضع الإنساني سوءاً وخطورة أكثر فأكثر يوماً بعد يوم، فمئات الألوف من الأهالي في الكثير من المناطق تركوا منازلهم وأحياءهم التي ولدوا وترعرعوا فيها طوال حياتهم، إما إلى مناطق أخرى داخل البلاد، وإما -وهو الأكثر سوءاً- إلى مخيمات خارج الحدود، لا يتوفر فيها الحد الأدنى من متطلبات الحياة، فضلاً عن الكثير من المهانة والإذلال، والظروف الجوية القاسية التي تحيط بهم. وتجري على نحو لم يسبق له مثيل في تاريخ سورية عملية هجرة واسعة إلى البلدان الأخرى.

إن الجانب الخطر في عملية النزوح والهجرة هي أنها تأخذ في كثير من الأحيان طابعاً طائفياً أو مذهبياً، بما يهدد بإعادة التوزيع الديمغرافي في بعض المناطق على هذه الأسس، ومما سيكون له (فضلاً عن الانقسام المجتمعي الحاد الذي أفرزته الأزمة داخل مختلف فئات المجتمع) أثر بالغ السوء والخطورة على مستقبل الوحدة الوطنية للبلاد.

القضايا الأكثر إلحاحاً

إن الصعوبة الكبرى هي في حسم الصراع الدائر في سورية بالوسائل العسكرية إن لم نقل استحالته، وعدم توفر إمكانية التدخل العسكري الخارجي، كما يعلن المسؤولون في الدول الغربية ذاتها، وبضمنها الولايات المتحدة، لأسباب منها ما يعود لتعقيدات الوضع السوري الجيوسياسي والعسكري، ومنها ما يصطدم بالمواقف الحازمة تجاه مثل هذا التوجه من قبل روسيا والصين وغيرها، ومنها ما يتعلق بالأوضاع الداخلية لهذه البلدان كالانتخابات الأمريكية مثلاً، ومواقف أحزاب المعارضة والأقليات الكردية والعلوية داخل تركيا..وغير ذلك. هذا من جهة. وإذا كان النظام من جهة أخرى لا يزال متماسكاً ولا تتوفر مؤشرات على قرب انهياره، الذي تراهن عليه القوى الخارجية ومعارضاتها، رغم بعض عوامل الضعف التي أصابته خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، سواء على الصعيد الشعبي أم المؤسساتي، وبشكل خاص خطورة الوضع الاقتصادي. وإذا أخذنا كل ذلك بالحسبان فإن المخرج الآمن الوحيد والممكن من الأزمة، وبغية إنقاذ البلاد من المخاطر التي تتهددها، وفي ظل التوازن الداخلي والإقليمي والدولي الحالي  يبقى في عملية انتقال سلمي إلى الدولة الديمقراطية المدنية.

إن السير على هذا الطريق يتطلب:

– الوقوف بحزم ضد كل شكل من أشكال التدخل الخارجي في شؤون سورية.

– وقف العنف وسفك الدماء من جانب جميع الأطراف. ومنع توريد السلاح والمسلحين من خارج الحدود.

– إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وخاصة منهم الموقوفين على أرضية الأحداث ولم تتلطخ أيديهم بالدماء.

– البدء بمعاقبة المسؤولين عن المجازر التي ارتُكبت خلال الفترة الماضية.

– اتخاذ تدابير جدية لمحاسبة الفاسدين واستئصال الفساد من جذوره.

– تطبيق أحكام الدستور والقوانين الإصلاحية الأخرى واقعياً على الأرض. والسماح بالتظاهر السلمي.

– معالجة النتائج الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الأزمة، بما يحقق مصلحة الاقتصاد الوطني وحاجات المواطنين الملحة واليومية في آن.

– الإسراع بمعالجة أوضاع المهجرين والنازحين، بما يساعد على عودتهم إلى مساكنهم وحياتهم الطبيعية، وخاصة لجهة إعادة وتهيئة البنى التحتية الضرورية لذلك.

– الانطلاق نحو حوار وطني شامل وواسع بين جميع الأطراف السورية، بغية تحقيق الانتقال السياسي المنشود.

 

23/9/2012

 

المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري (الموحد)

العدد 1104 - 24/4/2024