كيف يلاقي الشيوعيون السوريون المحطات المفصلية في حياة حزبهم ووطنهم؟

الذكرى التسعون لتأسيس الحزب واستحقاقات العمل الوطني

وما الذي يدفعهم إلى جعل هذه المحطات محفزات لتحسين الأداء وزيادة الصلة بالجماهير؟ وما الاستحقاقات والتحديات أمام الحزب الشيوعي السوري الموحد وحلفائه وأصدقائه في هذه المرحلة المعقدة من تاريخ سورية والمنطقة، كي يتم تحويل تداعيات (الأزمة) والحرب الهمجية والنهج التكفيري والتشوش والنكوصية إلى عوامل نهوض ووحدة عمل للقوى الوطنية في مواقعها كافة داخل السلطة والجبهة أو خارجهما؟

لم تكن مصادفة أن تمر الذكرى الثمانون لتأسيس الحزب عام 2004 والعراق الشقيق يعاني احتلالاً أمريكياً أطلسياً دمر مؤسساته الضامنة لوحدته، ونكل برافضي الاحتلال جميعهم، وهدد سيادة دول المنطقة، ولم يبتهج بهذه السابقة الخطيرة في (تغيير أنظمة الدول بالقوة المسلحة دون تفويض من مجلس الأمن) سوى إسرائيل.

وأعلن الشيوعيون السوريون بوضوح آنذاك أن احتلال العراق يهدف إلى إضعاف محور الممانعة والمقاومة المتمثل في سورية وإيران والمقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وتمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد الأمريكي الصهيوني، وتغيير الاصطفافات والخرائط في المنطقة!

وها نحن أولاء نحتفل بالذكرى التسعين هذه الأيام، والحلف الأمريكي العدواني يقصف بطائراته الأراضي العراقية والسورية، متظاهراً بمواجهة تنظيم داعش الإرهابي، وكان قبل أسابيع قليلة قد أبدى نيته العلنية تدريب منظمات إسلامية متطرفة وتمويلها، باعتبارها (معارضة سورية معتدلة)، وكانت أعداد كبيرة من هذه المنظمات قد التحقت بداعش، بعد أن دُرّبت ومُوّلت في دول أخرى بغطاء أمريكي.

والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تشجع الإدارة الأمريكية دولاً أخرى مثل تركيا وفرنسا للتدخل في الشأن السوري، بعد أن باركت تورط السعودية وقطر وتدخلاتهما في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.

ويحيي الشيوعيون السوريون الذكرى التسعين لتأسيس حزبهم مدركين تعقيدات المرحلة التي تمر بها سورية والمنطقة، ومستلهمين تضحيات شهداء الوطن وشهداء الحزب، ومآثر قادته وكوادره، وإنجازات الشخصيات الوطنية والثقافية والعلمية المبدعة، وأوفياء لتعهداتهم التي قطعوها للحزب وللفئات الاجتماعية والشعبية المنتجة وللطبقة العاملة وفلاحي الريف السوري الصامد الصابر، وهم قادرون على أن يحولوا تشوهات الأزمة وقسوة الهجمة التكفيرية الشرسة وداعميها على تمزيق الوطن، إلى محفزات تجذر بالتراب الوطني، ودفاع عن وحدة البلاد وسيادتها، وإلى تهيئة مستلزمات النهوض، ومغادرة الانتظارية والبلبلة والانكفاء، وقادرون على ربط كل محطة حزبية بإنجاز ملموس يظهر جدية الحزب في ملاقاة الاستحقاقات الوطنية والمهمات السياسية المنوطة به،  ويوضح قدرته الفعلية على تحقيق نقلة في أدائه وتنفيذ قرارات هيئاته القيادية، وفي مقدمتها التحضير الجيد لعقد المؤتمر العام الثاني عشر للحزب عام 2015.

وتعول كوادر الحزب الوسيطة وجماهيره وأصدقاؤه الكثر على أن تكون الذكرى التسعون لتأسيس الحزب محطة نوعية تذكر بتلك المحطات المختزنة في الذاكرة الجمعية للشيوعيين السوريين والوطنيين عامة، مثل المؤتمر الثاني للحزب أواخر عام 1943 وأوائل عام 1944 والمؤتمر الثالث عام 1969 والمؤتمر السابع عام 1991 والمؤتمر الحادي عشر عام 1911.

وهل كثير على حزب شيوعي جدي، محاط باحترام طيف واسع من الكوادر العمالية والفلاحية والشخصيات العلمانية والثقافية أن يجعل مؤتمره العام حدثاً لافتاً ومؤثراً في حياة البلاد؟

وهل يصعب على حزب شيوعي جدي كدس خبرات عملية وتجارب كفاحية كثيرة مريرة ومشرقة أن يوسع حضوره بين الناس، وأن يستعيد جاذبيته، وأن يجدد ثقة الفئات الشبيابية المتطلبة باحترامه للتنوع في إطار الوحدة، وبتطوير أعماله ومأسستها؟ وهل يصعب عليه أن يطور سياسة عملية لتأهيل الكوادر تمكن من اختيار هيئات تشارك فيها النساء في مستويات العمل الحزبي كلها، وتجسر العلاقة المتوازنة بين العمل الرابطي الجماهيري والعمل الحزبي السياسي دون أوامرية أو وصاية أو استتباع؟

الانكسارات والهزائم في عالم متسارع التغير وحادّ الاستقطاب ومتناقض المصالح يمكن أن تصيب بلداً أو حزباً أو منظومة أو منطقة أو تياراً، والتأخر في إدراك ذلك يطيل أمد التداعيات المريرة والمعاناة القاسية، ويخلخل الاصطفافات المعنية بإيجاد مخارج ناجعة، وعدم الاكتفاء بإيجاد متهمين مسؤولين عن الأزمة أو الهزيمة، أو الانشغال كثيراً في تحديد نسبة مسؤولية كل منهم، فالأهم في ظروف التصدعات والأزمات أن ينشغل الوطنيون جميعهم والشيوعيون وقوى اليسار بإلقاء أضواء كاشفة على المشهد كله، وبعرض رؤية مستقلة متوازنة تفسح في المجال أمام القوى الفاعلة كي تتمثل هذه الرؤية، وتوضحها بمرونة وصبر، وتساعد في إزاحة الرؤى غير العقلانية وردود الأفعال، وتنحية آثارها السلبية التي تقدم خدمة مجانية لأعداء الوطن.

وهناك استحقاقات كثيرة وأوليات فرضتها الأزمة السورية المستطيلة المستحكمة على الشيوعيين السوريين والوطنيين الفاعلين، من بينها تنحية الهلع الذي انتشرت عدواه، ووسعت النزوح الداخلي، والنزوح خارج حدود الوطن، وقد قال مسكويه الحكيم: المصيبة واحدة، فإن جزعت فهي اثنتان!

ومن بينها تهيئة مناخات لإطلاق حوار وطني واسع تشارك فيها قوى المجتمع السوري دون إقصاء، وعدم تأجيل هذه المهمة إلى ما بعد استئصال شأفة الإرهاب، وتسود مقولة مفادها أن السلطة تؤخر الحوار كي تعيد إنتاج أحاديتها وتفردها، وأنها غير جادة في التعاطي مع استحقاقات المرحلة، ونتائج الحوار، ومطالب الفئات الشعبية وقوى المجتمع المدني.

وأهم الاستحقاقات المتصلة بتنشيط العمل الوطني والسياسي أمام الشيوعيين هو تجديد حزبهم، وهي المسألة التي أقرها المؤتمر الحادي عشر، والحديث عن الجديد كثير لكن تقبله وتنفيذه صادف عقبات كثيرة في الماضي، والعقبات تتزايد في المرحلة الراهنة، وقد نقل د. شبلي شميل عن كانت قوله: (إن قبول الجديد أمر صعب، لكن التخلي عن القديم أمر شديد الصعوبة)، وهذا يكشف تعقيد المسألة بالنسبة لحزب زعزعته الانقسامات عند كل استحقاق تجديدي.

والسؤال الموجع أورده د. رفعت السعيد الباحث واليساري المخضرم في حزب التجمع الوحدوي في مصر، فقد  قال: هل يمكن أن نتعامل مع عالم جديد دون أن نحاول فهمه وتفهم آلياته ومحركاته؟

ودون أن نرفع السقف السياسي والتنظيمي بعيداً عن المغامرة والفوضوية والحسابات الساذجة؟

إن الخبرات الجمة لقادة الحزب وكوادره النقابية والسياسية، وتضحيات شهداء الحركة الشيوعية في البلدان العربية، وفي المقدمة فرج وفهد ومحجوب والشفيع وحسين مروة ومهدي عامل وشهدي عطية وسهيل طويلة وجورج حاوي وإبراهيم قندور تضع أمام حزبنا وأم قوى اليسار في سورية والدول العربية مسؤوليات لدفع قوى النهوض والتيارات الديمقراطية والعلمانية، من أجل مقاومة مشروع تفكيك دول المنطقة، ونهج التكفير والظلامية، ومن أجل استعادة المبادرة لبناء دول مدنية تقوم على التعددية والشراكة في الوطن، بعيداً عن التفرد والإقصاء والوصائية الفارغة.

العدد 1105 - 01/5/2024