!هدنة على شكل رمضان

*هل تُعتبر كلمة هدنة مرادفاً لشهر رمضان؟؟

هلَّ رمضان علينا من جديد وها هي الهدنة السابعة على التوالي في سورية..

ففي كل رمضان تتوقف الحرب وتغصّ الأسواق بالمأكولات والزينة وتهدأ النفوس ويغطي الخير تصرفات النّاس وتكف الألسنة عن السباب ويضيع الأولاد في الأزقّة.. إلخ.

وفي كلّ رمضان أيضاً تكبر الغصة وتنهمر الدمعة وتكثر دعوات الأمهات الفاقدات أولادهن ويتحسّر المسافر عن أهله وتكثر الشرائط السوداء في حنايا الصور!

وبكلّ رمضان جديد تذكّرنا الزّينة بأن الشوارع كانت فارغة قبله، تذكرنا بأن السوريين اضمحلّوا وأن البيوت خاوت الأرض!

وتحكي لنا عن المهجّرين الذين يمرّ عليهم رمضان سابع في غير بيوتهم أو حتى مدنهم!

 كم بيتاً مهدماً كان قبراً جماعياً لمئات الناس؟!

كم من عائلات مشرّدة حَسبت السّماء سقف بيتها والبرد والمرض غطاءها؟.

كم من أشخاصٍ يقولون:

 

(إني أنتظر رمضان لأدعو على كل من ظلمني!)

فهي تعتبره إيماناً قاطعاً بالله ويقيناً بأنه سيكون أقرب في هذا الشهر منهم ومن دعواتهم، ولكنّ من اللامنطقي أن ننتظر شهراً فاضلاً لنستخدمه بفعل الشر والدعاء بالشر على الناس، فالله في رمضان أو في غيره سامع لجميع الناس وقريب منهم، وإنه يرى الجميع ويعدل بحقوقهم.

ثمّ لمَ ننتظر رمضان كي نكفّ عن المعاصي؟ لمَ ننتظره حتى نصل الأرحام لنقترب من الله لنمثّل على بعضنا بالمحبة؟؟

لمَ لا نكون كذلك من قبله ومن بعده؟!

لمَ فرّقتنا العنصرية, الطوائف والمذاهب والتيارات معارضاً وموالياً، والعنف صار منا وفينا؟؟!

نحن الشعب السوري الذي تربى على الطيبة والعطاء والأخوّة كيف للحرب أن تغيرنا؟؟

كيف لها أن تعجن منّا أشخاصاً غيرنا كلهم حقد ومحبطين ميتين على قيد الحياة يستقبلون هذا الشهر الفضيل بقلوب ممتلئة تضجّ بتناقضات من المشاعر حبّ وكره, فرح وحزن.. إلخ

فيأتي رمضان في كلّ عام ليزور كل البيوت..

البيت الغني الذي يتذوق أشهى المأكولات على مائدته!

والفقير الذي لم يختلف عليه الوضع ففي الحالتين هو لا يأكل!

وبيت الشهيد الذي يأكل أهله غصات وغصات كل يوم!

والفقيد الذي تشرب عائلته عند الإفطار حسرته ودموعهم بعدها!

وغرفة المسافر الذي تغطي الغبرة غيابه..!

والمهجّر الذي لا يتخيّل إلا سُفرته وأولاده وأحجار بيته الذي لم يعد يعرف أين تناثرت!

لو نحاول أن تكون أيامنا كلها رمضان يملؤها الخير والمحبة والمودة نكون فيها عائلةً واحدة لا يفرقنا مذهب ولا رأي!

لو تفهم الحرب أن صوتها قد أطرم مسمعنا وأننا ضقنا ذرعاً بها,

ولعلّ الرصاص يفهم أن رائحته نتنة وأننا نكرهه وكلّ أولاده وأسرته!

ثمّ ليت أصحاب الكراسي يفهمون, أننا نطالب بهدنة أخيرة على شكل رمضان..

العدد 1105 - 01/5/2024