إنه يومكٍ… ولـيس عيـداً

 أدهشني حجم التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي بمناسبة (يوم المرأة العالمي)، فقد كان حديث معظم رواد هذه المواقع في يوم (8آذار)، وتسابق الرجال لمعايدة النساء والاحتفاء بهن، وتسابق بعضهم الآخر لتسخيف هذا اليوم وإطلاق النكات والاستهزاء في كثير من الأحيان.

لم أكن سعيدة بحجم التفاعل مع هذا اليوم الذي يعني لي كثيراً كامرأة أولاً، وكشيوعية ثانياً، والسبب هو تعويم فكرة هذا اليوم وماهيته، فاعتباره مجرد عيد ليوم واحد والاكتفاء بتقديم المعايدات الشكلية التي تنتهي صلاحيتها بانتهاء هذا اليوم السعيد لن ينفعني ولن ينفع أياً من نساء الأرض، في ظل منظومة كاملة تنتقص من حقوق المرأة وتميز بينها وبين الرجل.

إنه يوم المرأة العالمي وليس عيداً للمرأة، فالعيد الحقيقي يكون عند تحصيل الحقوق، إنه يوم لتذكير العالم أجمع بأن ملايين النساء قد قدّمن تضحيات جمّة عبر التاريخ حتى وصلنا اليوم إلى بعض المكتسبات التي تشكل جزءاً بسيطاً من حقوقنا.

إنه يوم لتذكير النساء بحقوقهن المسـلوبة التي لن يأتي أحد ويقدمها لهـن على طبق من ذهب.

إنه يوم كي لا ننسى الاضطهاد والعنف الذي نتعرض له في المنزل، في الحي، في الشارع، وفي المجتمع ككل، وحتى في القوانين المتعلقة بنا.

إنه يوم لتذكير النساء السعيدات ببعض المزايا المقدمة لهن من قبل الرجال عملاً بمبدأ التمييز القائم، بأنهن لسن سلعة أو دمية بيد الرجل، وبأن حقوقهن ليست مرهونة بمزاج الرجل المتسلط وأهوائه، إنه يوم لتذكيرهن بالشخصية المستقلة التي تخلّين عنها لسبب أو لآخر.

إنه يوم لتذكير جميع النساء بقدرتهن على المشاركة الفعالة في كل نواحي الحياة، بقدرتهن على التضحية، وقدرتهن على الإبداع وإبراز المقدرات الحقيقية الموجودة داخل كل امرأة، رغم كل من يحاول تهميشها وإبرازها كأداة للقيام بالأعمال المنزلية والأعمال المحدودة فقط.

إنه يوم لتذكيرنا أن هناك فئة من الذكور التقدميين الذين يسعون معنا جنباً إلى جنب لتحصيل حقوقنا، إيماناً منهم بأن مكانة المجتمع من مكانة جميع أبنائه ذكوراً كانوا أم إناثاً.

إن النساء في سورية يتعرضن لمآسي إضافية من ويلات الحرب وآثارها الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية التي تكاد تكون أعنف وأشد ظلماً، إضافة إلى معاناتهنّ القديمة من القوانين والتشريعات الظالمة، كقانون الأحوال الشخصية المتخلف والمجحف بحق النساء في كثير من القضايا من قضايا الزواج إلى الجنسية والإرث وغيرها.

ومن هنا فإن المسيرة النضالية لتحصيل الحقوق لن تكون سهلة ولا يسيرة، فهي تحتاج إلى تركيز الجهود والعمل بآليات منظمة، لأن التجارب قد أثبتت عدم جدوى الجهود الفردية على هذا الصعيد، لعدم القدرة على إحداث فرق واضح.

لذا علينا توحيد الجهود على أمل الوصول إلى المرحلة التي يزول فيها التمييز الجندري تماماً، فلا نعود بحاجة لا إلى يوم للمرأة ولا إلى يوم للرجل، ولكن إلى أن ندرك ذلك اليوم، فنحن بحاجة إلى تكثيف الجهود والاستفادة من كل فرد مؤمن بهذه القضية ومستعد للعمل الجاد لتحقيقها.

إن يوم المرأة يومي.. ويومكِ..

لا تكتفي بوردة وأمنيات بعام جميل!

فالسعي إلى التغيير بشكل جدّي ومنظّم هو الطريق الوحيد إلى الخلاص المنشود!

العدد 1107 - 22/5/2024