لا رجم إلاّ للأنثى

الحب هو أسمى الموجودات الحسية، بالحب وحده نستطيع العيش، نستطيع التنفس والرقص على أنغام الحياة شوقاً للغد الآتي وإن كانت الأرض من تحت أقدامنا تنفث شوكاً ونيراناً، مهما اختلف نوع هذا الحب (حب الذات، حب الحياة، حب الشريك….) فسيبقى في الغالب هو الذي يدفعنا إلى الخطوة التالية.

ولكن حتى هذا الحب يتغيّر ويتبدل، فتلوّنه الأزمان بصباغها الدارج. فعلى سبيل المثال ذاك القبس المشتعل بين شاب وفتاة صار اليوم يتخذُ شكلاً حديثاً برسائل إلكترونية على عدد الثواني، ومكالمات تتطاول وقد تحف الشوارع نعالهم وهي تسمع ضحكات الحب وتشم نسيم اللهفة بينهما.

هذه التفاصيل وغيرها تكاد لا تخلو منها غالبية العلاقات (الغرامية)، وبعد أن تُرسم مخططات العمر القادم بينهما يحين وقت التتويج بمحابس الخطوبة.

في السابق كانت الخطوبة فترة زمنية تُتخذ وسيلة بين الطرفين لتتوضح معالم كل منهما للآخَر، وتُوضع النقاط الأساسية. وحتى في يومنا هذا مازالت الأفكار ذاتها سائدة ومعمول بها، لكن فترة الحب التي تسبق الخطوبة باتت المنفذ الأول لهؤلاء الشركاء للغوص في الخطوط الدقيقة رغم مايشوبها من تسرع واندفاع يزرعه الحب فيهما.

وقد تُبيّن الأحاديث والمواقف المشتركة أموراً غير مرغوبة أو مبادئ لا يُتفق عليها، فتُلغى فكرة الارتباط والخطوبة، وهنا يُقصّ شريط الحلم المشترك، ويُترك كل طرف ليتخلص من أثار حب عرّش على كل خلايا وجوده.

ولا ينتهي الأمر عند الصراع الذاتي والرحلة في جمع الذات والبحث من جديد،  فلا بد في كل تفصيل من حياتنا أن تتدخل أحاديث المجتمع وأقاويل النسوة. يُترك الشاب في حاله فهو الرجل الذي خُلقت له الحياة ليجرّب ويقتنص الفرص، أما تلك المهزومة هشّة المشاعر، الفتاة الباكية على أطلال الحب تتصيدها الجلسات الصباحية والصفحات الأولى من أخبار الحارة بعد أن فُضِحت قصة حبها السريّ. فكم يُحكى عليها وعلى أخلاقها وربما على أهلها لمجرد أنها خاضت تجربة حب لم تُكلّل بالزواج!

كيف لها أن تُحب؟

منذ متى ونحن نترك للحب مجالاً في قلوب العذارى؟

وحتى لو كانت القصة خطوبة وليست حباً ذا تفاصيل وهالات تشكيكِ وأصابع اتهام.

ربما يظن البعض منهم أن هذه الفتاة أو البلورة الشفافة قد فقدت جوهرها في التجارب، كما تُعتبر أنها فقدت هيبة الأميرة العفيفة.والعبارة المتداولة تدوي في رأسي الآن (بدنا بنت ما باس تمّها إلا أمها)! كما يُضرب تشبيه يزلزل الكيان حين يُقال: (التفاحة بلا قشرها بتسودّ وبتنكبّ)!

فأية ضرورة حتّمت هذه المقاييس؟

أسأل وأنسى أن الفتاة التي مازالت تُركَن على الرف، لا تعليم ولا خروج من المنزل حتى الآن هي الأفضل في عيون البعض، فالعلم مفسدة.. والحب مفسدة.. والتنفس أليس مفسدة أيضاً؟!

في كل مجال من مجالات الحياة لا رجم إلاّ للأنثى، مهما تغير بنا الزمن ومعطيات الحياة تغيرت.. إذ لا تتبدل أحداق المجتمع في نظرته التقييميّة تلك، ونحن وراء الجموع نسير…

واأسفاه!

العدد 1105 - 01/5/2024