النساء في حقول العلم… بصمات لافتة رغم الظلام

منذ أعوام عدة، كانت ابنتي في بداية المرحلة الإعدادية، وكان لديها صديقة من صفها تسكن بجوارنا وترافقها كل صباح إلى المدرسة، وكلتاهما لم يكن قد تعدى مرحلة الطفولة إلاّ بسنوات، فوجئت مرة بغياب صديقتها عن مرافقتها لفترة، وحين سألتها عن السبب أخبرتني إنها تزوجت، بل إن أهلها زوّجوها، بالأحرى.

تخيلت عقلية هذين الأبوين اللذين يزوجان طفلة لم تصل إلى الصف التاسع بعد، أيّ عقابٍ يمكن أن يكون عادلاً مع هؤلاء الآباء ومع مجتمع يرى أن أنسب مكان للمرأة هو المطبخ والسرير وتربية الأطفال؟!

ما يجعل الدرجات العلمية العليا عصيّة على المرأة، إلاّ من رحم ربك، هي هذه العقليات والظواهر التي تحكم مجتمعاتنا أساساً، وأسباب أخرى لا يمكن اختصارها هنا.

ثم يأتي دور السلطات الخائفة من أي تماس مع هذه العقليات والقيم الظلامية طلباً لودٍّ مستحيل معها، وقد ظهر جلياً في التجربة السورية في أحداث الثمانينيات أولاً، وفي هذه الأزمة الوطنية التي نشهدها ثانياً، ظهر الخطأ والخطل في مسايرة الإسلام السياسي مهما تزيّا بأزياء عصرية وحضارية، ومهما حاول ممارسة تقيّة مكشوفة إلاّ لمن يريد أن يغمض عينيه.

ويبدو أن السلطة السياسية ما زالت تعتمد سياسة مجاملة التيار الديني وتقديم التنازلات له رغم الدرسين القاسيين، فأمس قامت جمعية شبابية متنورة بإعادة دهان جدران المدارس في مدينة التل التي عادت الحياة الطبيعية إليها بعد المصالحات وخروج المسلحين المتطرفين منها، ولأنهم يريدون الاستفادة من كل فرصة لنشر الوعي العلمي في المجتمع
قاموا بكتابة عبارات توعوية تدعو إلى عدم تزويج الصغيرات وتحضّ على إكمال تعليمهن، قام المسؤول الحزبي هناك بإعطاء الأوامر لمحو تلك العبارات ورسم بالونات وكرات ملونة عوضاً عنها، بسبب اعتراض مجموعات تريد إبقاء الأمور على ما هي عليه في مدينة صغيرة كهذه، بذريعة أن المجتمع محافظ ولا يقبل هذه العبارات، مع أنه يفترض أن الحزب علماني واشتراكي!!

هذا مثال صغير عن السياسات العامة التي تكرّس السائد ولا تغامر بخلخلة البنى التقليدية، بوهم استمالة هؤلاء الذين لا يمكن تطويعهم إلاّ بقوة القانون العلماني العصري المتحضر.

وقد عانى العالم كله بدرجات متفاوتة من تغييب المرأة عن الدخول في حقول العلم والدراسات العلمية، لكن أوربا بدأت تخرج من هذه الشرنقة مع بداية عصر الأنوار.

فماري كوري، المرأة الأولى التي نالت جائزة نوبل، بعد حياة صعبة قضتها في العمل، مربية ثم معلمة، ولم تستطع إكمال تعليمها العالي إلاّ بعد أن دعتها أختها للإقامة في باريس لإتمام دراستها الجامعية عام 1891، فدرست الفيزياء والرياضيات في جامعة السوربون،  والتقت بعد ثلاث سنوات بعالم الفيزياء بيير كوري وتزوجته وشكّلا ثنائياً باحثاً في الفيزياء النووية
حتى اكتشفت عنصر الراديوم المشع عام 1902، وتابعت أبحاثها بعد وفاة زوجها إلى أن تمكّنت من اكتشاف الأشعة السينية وأجهزة كشف مستوى الإشعاع، وقد أصيبت بمرض سرطان الدم نتيجة تعرضها للأشعة خلال اختباراتها العلمية، وتوفيت عام 1934، بعد أن حصلت على جائزة نوبل مرتين، الأولى في الفيزياء بالمشاركة مع زوجها بيير كوري، والعالم هنري بيكريل عام 1903، والثانية في الكيمياء عام 1911 عن اكتشاف مقياس النشاط الإشعاعي.

البريطانية دورثي هودجكن الحائزة أيضاً على نوبل في الكيمياء الحيوية، وروزاليند فرانكلين، التي يعود لها الفضل في اكتشاف الكود الوراثي الـ DNAوغيرهن كنَّ رائدات في إثبات أن المرأة يمكن أن تكون مبدعة في أي مجال تُتاح لها الفرصة لارتياده والخوض فيه.

العالمة النووية المصرية سميرة موسى، التي توفيت في حادث سير فيما كانت تتابع أبحاثها في زيارة إلى معامل نووية في كاليفورنيا، رُجِّحَ أن الحادث مُدبّر لمنع مصر من الحصول على تكنولوجيا نووية.

وتبين الإحصاءات أن عدد الرجال الفائزين بجائزة نوبل حتى عام 2015 بمختلف الاختصاصات 822 رجلاً، أما عدد النساء اللاتي فزن بالجائزة منذ تأسيسها عام 1895، فهو 48 امرأة.

نسب النساء اللاتي نلن درجات الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس تعطي أيضاً صورة قاتمة لأوضاع المرأة في حقل التحصيل العلمي.

مقابل مئات الملايين من النساء اللاتي لا يحظين بفرص لتقديم أنفسهن وتطوير مداركهن، تظهر هؤلاء النساء كاختراقات فردية لجدار التمييز والتعتيم لا بدّ أن تتطور مستقبلاً مع ازدياد الوعي المجتمعي، وبالدرجة الأولى مع النضال الذي تخوضه الجمعيات والمنظمات التي تتبنى الدفاع عن حقوق المرأة وتفعيل دورها في الحياة والمجتمع.

                                                                                                                                                   
<!–
var prefix = 'ma' + 'il' + 'to';
var path = 'hr' + 'ef' + '=';
var addy84084 = 'husenkhalife' + '@';
addy84084 = addy84084 + 'hotmail' + '.' + 'cm';
document.write('‘);
document.write(addy84084);
document.write(‘
‘);
//–>n
<!–
document.write('‘);
//–>
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

<!–
document.write('’);
//–>
     

 

 

العدد 1104 - 24/4/2024