سيأتي الحب أيضاَ

في موطن غدا ملعباً تستعرض فيه قوى الدمار والحقد أسلحتها البغيضة، وهجرته مواسم الفرح والأعياد، عاشت سليلة الياسمين الدمشقي أحلامها البريئة.. النقية كنقاء الزهور، صبية صدحت بترانيم الفرح مع الطيور الراحلة والآتية، تنتظر بشوق فارس أحلامها، ذاك الآتي من بعيد، من بلاد لا حرب فيها.. ولا دماء، فيأخذها بين ذراعيه، ويطيرا إلى أرض تتسع لتحقيق حلمها الصغير بالأمن والسلام.

التقطت ياسمينة أطاحت بها نسيمات المساء، وتنشقت عبيرها،وانسابت دموعها حارقة كالجمر، وبدأت تبوح لتلك الزهرة البيضاء عن أحلام اغتالتها يد الخراب،وعن شعاع اخترق الخافق، فلوّن أحلامها بألوان زاهية ، لكن كهنة المعابد السوداء ، ومن أدمنوا قتل الضحكات وامتهنوا حفر القبور، اغتالوا ومضة الحب الآتية قبل أن تأتي.

شكت للياسمينة حزناً مزق قلبها، وإحباطاً استعمر روحها،كانت تنزف جروح وطنها ،وتعيش فاجعة من يراقب احتضار ملاذه الوحيد بصمت،شعرت لوهلة بأن جدران المنزل أطبقت على صدرها، توجهت قاصدة شرفتها الصغيرة،ووقفت تتأمل وجوه المارة وقد رسم الألم بريشته الكئيبة الحزن على ملامحهم،الجميع يعيشون ألمهم بصمت مرير، إنها تبحث عن الحب وسط شظايا الحرب،تريد السلام بعيداً عن شلالات الدماء،تحاول بكل ما أوتيت من عزيمة زرع جنين الأمل في رحم الواقع المظلم،اشتاقت بشدة إلى صباح فيروزي، وداهمها الحنين إلى قهوة صباحية تحتسيها بسعادة على مقربة من أقمار الياسمين،اشتاقت إلى مراقبة نظرات العشق الملتهبة في عيني جارها الذي ذهب وعادت بدلاً منه ورقة تتشح بالسواد.

لم تعد تدري من منهما تبكي حبيبها الشهيد أم وطنها الفقيد، لم تكن تعلم كم هو مرير البحث عن الحب وسط اقتتال الأهل، وكم هو عصيب حقن السعادة في قلوب تحولت إلى صخور لا حياة فيها.

هاهي ذي تبحث بين ساحات الوطن المدمرة عن حب يعيد تكوين الروح والجسد. وتمضي أيامها على قارعة الآتي من ما وراء اليأس، بحثاً عن حب يغذي روحها الكئيبة بالحياة، وينير بأشعته ظلام الحقد،ويبعث في نفسها طمأنينة طال انتظارها ، تتمسك بأمل يخترق العتمة، الحب آت..الحب آت. قبلت بحنان بياض الياسمين، وغادرت شرفتها وقد أنارت وجهها الحزين ابتسامة.

العدد 1105 - 01/5/2024