وكأني مذ غبتَ عني غائبة…

واقف هو الزّمن منذ تلك اللحظة عند تلك اللحظة، منذ ذهبنا معاً وترافقنا على ذلك الدّرب الطّويل الذي لطالما حلمت أن أمشي فيه معك جنباً إلى جنب وأشبك أصابعي بأصابعك، ذهبنا معاً، نعم، لكنّني عدت وحيدة، عدت إلى المنزل من دونك، وتهت على طريق العودة إذ إنك لم تكن معي لتدلّني عليه، تركتنا وذهبت إلى منزل أخيك كما عهدناك، وبقيت أنتظر عودتك من تلك الزيارة طويلة الأمد وإلى الآن أنتظر متى تعود؟!! أنتظر متى تتذكر أنك تركتني وحيدة؟!

نعم، وحيدة، كانوا كلّهم معي – أمي وإخوتي، جدي وجدتي وحتى جارتنا التي أتت غير مصدقة لخبر رحيلك – لكنك كنت غائباً، وغيابك يعني غياب كلّ شيء،منذ تلك اللحظة وإلى الآن لا أذكر تفاصيل الحياة جيّداً، فذاكرتي مشوّشة وحياتي منذ ذلك الوقت لاتصفو إلا بوجودك فيها، حين أستيقظ كل صباح كي أودّعك وتقبّلني قبلة الياسمين، وحين أنتظرك كلّ مساء تعود مثقلاً بهمومنا مبتسماً لرؤيتي.

هاأنت ذا تودّعني عند ظل الياسمينة وتختفي من أمامي شيئاً فشيئاً، ليظلّ خيالك يرافقني طوال يومي إلى أن تعود وتراني أنتظرك عند باب البيت كي أحمل لك حقيبتك، فيعود خيالك ليرتسم أمامي ولتصبح صورتك أوضح وتقترب مني، حينئذ تخفي نظرتك العابسة بابتسامة تعبة أحبّها.

هكذا هي أيّامي منذ رحيلك عني منذ ذلك اليوم، يامن تخبّئه السّماء خلف غيومها وتحتضنه الأرض ويحتضنها مكرها لا راغباً، يامن أرثيه مكرهة وأهجوه ألماً، أفق من نومك الأبدي! تعال وخذني وعد بنا إلى تلك اللحظة، لنعود معاً إلى منزلنا وكأنّ شيئاً لم يكن، حينئذ تتحرك عقارب السّاعة من جديد وتكتمل حياتي بعد استراحة طويلة لاأدري متى تنتهي وكأنه لانهاية لها!

العدد 1104 - 24/4/2024