نسّم يا هوا بلادي!

جفت في غياهب الوحدة شرايينه، علا أنينه، تناثرت على جدران الوحشة ذكرياته، فحملته مخيلته عائدة به إلى وطنه…

وقف في محراب الأشواق يتلو صلواته بقلب خاشع ونفس مكسورة، ارتجف خافقه عندما داهمه عبير الياسمين، فضج في روحه صخب الحنين..خيم الصمت على فوضى بعثرت حواسه، وَدَع أرض الشقاء ليستقل حافلة الحلم قاصداً مرتع طفولته وحضن شبابه..موطن ذاكرته وملعب ذكرياته، بعد أن غادرت الفتنة أرضه وعاد السلام ليشرق في سمائه. ارتدى شوقه معطفاً وانضم إلى العائدين ملتحفاً لهفته، وراح يحصي الثواني مع دفقات فؤاده المنهك باحثاً عن تلك العبارة التي لم تكن فيما مضى تعني له الكثير،أما الآن فهي غاية تطلعاته..

(الجمهورية العربية السورية ترحب بكم)!

استباحت بحروفها وجدانه، ومضى يقبل كلماتها بثغر مشتاق، ويعفّر وجهه بتراب وطنه الحبيب. وعلى الفور فتح النوافذ ليعيد إلى رئتيه الحياة، بعد أن افتقدتا طويلاً نسيم شامة الدنيا. لم يكد يصدق أنه الآن تعافى من سكرات غربته، واستسلم لنشوة اللقاء،حتى استفاق من حلمه على لحن زلزل كيانه،وأضرم لهيب الثورة على غربة موحشة التهمت أسمى مشاعر الإنسانية في داخله..

(موطني..موطني..الحسام واليراع لا الكلام ولا النزاع رمزنا رمزنا.. مجدنا وعهدنا وواجب من الوفا يهزنا يهزنا..).

اخترقته تلك الكلمات كشعاع من نور،أعاده إلى الصواب، ووضعه أخيراً على عتبة القرار.. هل يبقى بعد اللحظة أسيراً ذليلاً في أرض الغرباء؟! أم يعود إلى أرضه ليعيش فيها ناسكاً مخلصاً في حرم الوطن الطاهر، وينذر أيامه وجهده قرباناً لإعادة إعماره؟

فمن للأم إذا ما أعياها الشقاء سوى أبنائها؟!

حزم حقائبه مغادراً بوابة الأحلام، واستقل حافلة الحقيقة متجها إليه،ليضم بلهفة ثرى (بستان هشام)!

العدد 1105 - 01/5/2024