الآباء.. عماد التطور والارتقاء

 يبدأ العام الدراسي، وتبدأ معه جملة من الهموم والمتاعب، أحد هذه الهموم أو المتاعب، موضوع الدروس الخصوصية، التي يسعى الأهل إليها منذ اليوم الأول للعام الدراسي، بل منذ فترة العطلة الصيفية التي تسبق العام الدراسي. تبدأ رحلة البحث عن المدرسين المتميزين، وتبدأ معها، أو قبلها، رحلة البحث عن موارد مادية تغطي نفقات هذه الدروس، ذلك أن التكلفة المادية باهظة جداً، لاسيما إن كان في البيت طلاب شهادة إعدادية أو ثانوية، وحتى المرحلة الجامعية باتت تخضع لهذه الدروس، والأسباب عديدة لسنا بصدد شرحها هنا…

إنما ما أود الحديث عنه، أن هذا الموضوع الذي بات الشغل الشاغل للأهل، أصبح مرهقاً إلى حدٍّ غير معقول، سعياً لتفوق أبنائهم وتميزهم، مهما كانت التكاليف باهظة، فكثيراً ما يسعى الأهل للاقتراض أو بيع بعض الممتلكات إن وجدت، أو لسحب قرضٍ من هنا أو جمعيةٍ من هناك لسداد مصاريف الدروس الخصوصية، هذه الدروس التي يسعى إليها المدرسون أيضاً، لتساعدهم في تدبير شؤونهم وأسرهم في ظل الظروف المادية الصعبة، فيتعاملون معها على أنها مجال لزيادة الدخل لا أكثر، بغض النظر إن كانت الطرق المتبعة صحيحة أم لا، لاسيما أن الطلاب وذويهم يسعون للنجاح والتميز في هذا العام الدراسي فقط، وإلى أن يأتي العام الدراسي التالي (علينا خير) كما يُقال…

ذلك أن معظم العاملين في هذا المجال يعملون بطريقة التلقين، أي أنهم يقدمون للطالب المعلومة التي تفيده في الامتحان فقط، والتي من شأنها أن تمنحه العلامات الكفيلة بنجاحه، غير معنيين بالفهم والإدراك وربط المعلومات بالحياة العملية أو بالظواهر الحياتية، وبالتالي ما على الطالب إلا الحفظ البصم الذي يريحه من أي تفكير أو تعب ذهني، مما يجعله معتاداً على قبول كل ما يأتيه من الآخر باعتبار أن هذا الآخر سيريحه من عناء التفكير وهمّ البحث والاستقصاء، وهكذا ورويداً رويداً يصبح هذا الطالب معتاداً على الأخذ فقط دون مجرد التفكير بمبدأ العطاء أو المسؤولية، مما يدفعه للانقياد خلف كل ما، أو من، يمنحه أي شيء يريده مهما كان الثمن باهظاً أو مرهقاً، وليس فقط على المستوى المادي، بل ينعكس هذا الأمر على المستوى النفسي والسلوكي والمعاشي عند الطالب الذي اعتاد من أهله أن يلبوا له كل رغباته من أجل غايةٍ واحدةٍ فقط، وبذلك فإنه يتحول إلى مجرد شخص تقوده رغباته وميوله وغرائزه بكل بساطة، فاقداً الإحساس بأهمية الأشياء من حوله، وبطريقة الحصول عليها…. شخص دُجِّن ليتقبل أي شيء من الآخر أياً يكن هذا الآخر أو ذاك الشيء…

وهنا يمكننا أن نتخيل كيف سيكون هذا الشخص حينما يدخل معترك الحياة، لقد أصبح إنساناً بلا فائدة، ذلك أن تحصيله العلمي مهما ارتقى به هو مجرد حبر على ورق، لا علاقة له بالواقع وبالحياة، فإن دخل سوق العمل نجده إنساناً فاشلاً، لأنه لم يمتلك الخبرة العملية أو روح المبادرة، وإن فكّر بتكوين أسرة فسيحصر همّه في الأمور الاستهلاكية من أثاث وغيره مهما كلفته هذه الأمور ثمناً، فالمهم أن يواكب السوق، فنجده يغدق الصرف في أشياء غير ضرورية، في حين أنه لا يمتلك المدخول الذي يؤهله لذلك، أو ربما يسعى للاقتراض من المصارف أو من الجمعيات التعاونية بغية الحصول على ما يريده غير آبهٍ مثلاً بكيفية تربية أبنائه أو بتحسين وضعه المعاشي، والأمثلة على ذلك لا تحصى، فكم من أمهات نجدهن يمضين أوقاتاً في التسوق وشراء مستلزمات غير ضرورية، في حين أنهن لا يعرن بيوتهن أو أبناءهن أيما اهتمام، وكم من شبانٍ لا يعنيهم تعب آبائهم وأمهاتهم عندما يلحّون في طلب أشياء هم بغنى عنها، فقط لأن فلان يمتلكها أو لمجرد الرغبة والتباهي، فيصرفون الأموال الطائلة على نزواتهم في حين أن أهلهم ربما يقترون على أنفسهم بغية إرضاء أولادهم وعدم حرمانهم من شيئ.. إلخ.

فكيف لفتاةٍ تمضي وقتها في السعي وراء الموضة والمكياج، مهما كلفتها من وقتٍ ومالٍ، غير معنيةٍ بتطوير ذاتها أو تحسين حياتها وأن تصبح أماً جديرةً بلقب الأمومة؟ ماذا بإمكانها أن تمنح أبناءها في المستقبل؟

وكيف لشابٍ اعتاد التفكير بأنانيته وذاته أن يصبح زوجاً جديراً بالمسؤولية، وأباً قادراً على العطاء؟

وبالتالي كيف لأسرٍكهذه أن تكوِّن مجتمعاً يسعى للتطور والازدهار؟!

العدد 1105 - 01/5/2024