عصافير السلام تفقد براءتها وحقوقها اليوم

د. عبادة دعدوش:

لعلَّ أبلغ تشبيه لوجود الأطفال في الحياة هو أنهم بمثابة عصافير حبّ وسلام، فهم الروح البريئة التي خُلقت لتزهر الحياة، وتنمو تحت أيادٍ سليمة مُشكّلةً بعد ذلك جيلاً صاعداً وقوياً، قادراً على البناء والتطوير.

كما وصفهم ربّ العالمين بأنهم زينة الحياة الدنيا، ودعا إلى تربيتهم واحتضانهم وتعليمهم لأنهم ثمرة وروح خُلقت ليُعتَنى بها.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل يحصل الأطفال على حقوقهم كاملة؟ هل أصبحوا أكبر همّاً ووحدة واستغلالاً؟!

نحن نعلم أن للطفل حقوقاً، ومن أبسطها حق الأمان وحق العيش مع أسرة وحق التعليم.

يُخلق الطفل وهو لا يمتلك اختيار نسب أو أهل أو حتى بيئة ولا أين يُخلق وكيف يتربّى، وكيف يُكمل بقية حياته.

لقد حدّدت منظمة حقوق الإنسان للطفل حقوقاً كثيرة بحيث ينمو في بيئة تسمح له الحصول على جميع مقوّمات الحياة السليمة والتعليم والأمان والصحة، والأهمّ توفير الأمان الأسري والاجتماعي، لكن مع تردي الظروف المعيشية أصبح العديد من الأطفال محرومين من التعليم والأمان لأسباب عديدة منها:

*الطلاق وتفكّك الأسرة الذي يجعل الأطفال محرومين من الحنان والأمان.

*الفقر الذي جعل الآباء يُخرجون أطفالهم من المدارس ويزجّون بهم في سوق العمل.

*تهجير الأُسر الذي جعل أغلب الأطفال مُشرّدين في الشوارع مُبعَدين عن التعليم.

وهذا ما ولّد نتائج فتحت الباب لحالات الاستغلال الجنسي والعنف ضدَّ الأطفال، فكثيرة هي القصص التي سمعنا ونسمع بها كل يوم عن حالات اغتصاب وقتل وتشرّد يتعرّض لها الأطفال في العالم وفي سورية خاصة.

لا يد لأيِّ طفل دُفِع ليعيش في الشارع، ولا ذنب لأيِّ طفل خُلق عند أهل ضعفاء الضمير وغير واعين لمتطلّبات التربية وأساسياتها.

هناك نسبة جيدة من الأطفال الذين سُلبوا حقوقهم في سورية بسبب سوء الظروف الراهنة والغلاء الفاحش، فقد أُجبروا على ترك التعليم من أجل العمل، مثلما أُجبروا على أن يكونوا سلعة للبيع وتعاطي المخدرات والتدخين وارتكاب الجرائم لأنهم لم يتلقوا التربية الصحيحة.

وكما جرى إعلان يومي 18 و20 تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام من قبل الجمعية العامة لحماية حقوق الطفل ولمنع الاستغلال الجنسي بحق الأطفال، يجب الاهتمام والتركيز أكثر من قبل المنظمات الدولية على هذا، وذلك بهدف تعزيز الترابط الدولي وإذكاء الوعي بين الأطفال في العالم، ولمنع الاستغلال الجنسي والإيذاء والعنف للأطفال، وضرورة تعزيز كرامة أولئك الأطفال الذين يتعرّضون للتجاهل وحقوقهم.

نستطيع اليوم أن نجعل الاحتفاء بيوم الطفل العالمي بشكل عملي من خلال:

*اهتمام الحكومات والمؤسسات التعليمية منها خاصة بكل أشكال التعاون مع الطفل والأسرة للنهوض بوعي كلٍّ من الطفل وأسرته وتعزيز انتماء الأطفال وأمانهم.

*توجيه أدوات التكنولوجيا التي توضع بيد الأطفال لوسيلة تعليمية وتثقيفية حول الكثير من القضايا.

*تكثيف الندوات والدورات التعليمية للأطفال، ومنها ندوات الوعي الذاتي حول أشكال العنف وكيفية الدفاع عن النفس في حال التعرّض للخطر أو لأيِّ سلوك سيّئ.

*إعطاء وقت كافٍ للطفل من قبل الأسرة لإشباعه عاطفياً وفكريا، ًلأنها البنية الأولى والأساسية لتربية الطفل ونموّ.

*عدم التهاون تجاه أيِّ حقّ يُسلَبُ من الطفل، ولا مع أيِّ إنسان غير واعي يستغل الطفل لأعمال إجرامية.

نحن نستطيع أن نجعل من الطفل إنساناً مسؤولاً وسليماً عندما نهتمّ بتنشئته وتربيته على طريق الصواب، نستطيع أن نجعله فعلاً قوياً ومكافحاً وأميناً، ونستطيع في الوقت نفسه أن ندمّره، وعندئذٍ نكون نحن مسؤولين عن جيل فاشل وعن مجتمع متفكّك تنتشر فيه الجريمة والعنف.

العدد 1105 - 01/5/2024