بلادي بلا طفولة

وعد حسون نصر:

نعم، وطني يفتقد الطفولة، يفتقد ضحكاتهم وألعابهم وأحاديثهم العفوية.. وطني يفتقد طرافة أطفاله على مقاعد الدراسة. ووطني طرقاته شاحبة، أطفاله تعجُّ بهم الطرقات لكن لا وجود للطفولة بينهم، مُشرّدين بؤساء على قارعة الطريق، أصواتهم تصدح على بسطات الخضار والفاكهة والملابس والأحذية، أو في حافلات شراء الخردة والأثاث المستعمل والخبز الجاف. أكتافهم غدت لرفع المتاع والأوزان التي تفوق أحجامهم، وأـمكنة عبثهم وبحثهم هي حاويات القمامة لجمع عبوات البلاستيك والأوراق والكرتون والعبوات المعدنية والزجاجية التي غدت مصدر رزقهم، وثمن مأواهم ولقمة عيشهم. حتى مقاعد الدراسة خلت منهم، ومثلها مقاعد الحدائق التي أضحت عوضاً من أن يجلسوا عليها ليرتاحوا من تعب الشغب الطفولي، باتت اليوم أسرّة في الليل ينامون عليها، وفي النهار هي مستودع أحمالهم وأغراضهم!

عن أي طفولة نتحدّث في هذا الوطن؟ عن طفولة مُشرّدة مُهجرّة في أصقاع الأرض تحلم بوسادة ناعمة وفراش دافئ، وحقيبة مدرسة مزركشة بألوان الربيع، أو حذاء ملون وسروال وقميص جديد! عن طفولة تنبش القمامة من أجل لقمة الخبز وبقايا الطعام والفاكهة! عن طفولة لا تعرف تغريد العصفور فظلام المنفى حرمها من سماع تغريده! عن طفولة حُرِمَتْ من كلمة ماما وبابا، عن طفولة حُرِمَتْ من لمسة حنان على شعرها أوقات المرض! عن طفولة تجد من دخان محركات الديزل لمعامل الخياطة مدفأة الشتاء تجلس بجوارها، لا يهمّها إن تنفّستْ دخانها، المهم أنها حظيت خلال دوران هذه المحركات على لحظات دفء!

أطفال وطني أبناء أزمة جعلت منهم رجالاً بسواعد تصارع الحياة من أجل البقاء، أطفالاً يعيلون عائلاتهم كأنهم آباء، يسافرون بطرق غير شرعية رغم صغر سنّهم والموت يمشي بجوارهم في الغابات، في البحار وفي الطرقات لا يخشونه، فهم يريدون أن يحيوا في بلاد تهبهم جزءاً من الحياة التي تُعزّز الطفولة فيهم من جديد. أطفالنا اليوم، تراهم في البلدان المجاورة عرضة للإهانة والتنمّر والتذمّر وكأنهم سرقوا من شعبها الحياة، يقبعون في المخيمات، فكم من طفل جمّدته الثلوج وكأنه قطعة لحم فُرِّزَتْ لسهرة المساء، أو فرَّزَتْهم جماعة الاتجار بلحومهم ليكونوا قطع غيار للأثرياء! وكم من طفل كان لعبة لأولاد الذوات يُعَلّمون أبناءهم على جسده فنون القتل والركلات!

رغم كل هذه المعاناة والظلم والبؤس المحيط بأطفالنا، ما زال العالم يُطلق شعارات الاحتفال بيوم للطفولة، وحقّهم في الحياة، وكأن عيونهم لا تريد أن ترى قسوة الحياة على أطفالها في بلادي، لا تريد أن ترى من مات بغير ذنب فقط لأنه وُلِدَ في منطقة أهلها كثرت عليهم الثارات!

هل غاب عنهم عدد أطفالنا في العراء؟ أم أنهم في سجلاتهم على قيد مجهول النسب ابن خطيئة فلا مكان له في هذه الحياة، موقعه فقط في الحروب الصف الأول يتلقى رصاص الغدر وكأنه درع حماية لمن في نظره يستحق الحياة أكثر منه!!

لذلك أرجوكم، لا تطلبوا منّا أن نصف لكم الطفولة في بلادنا، ولا تضعوا في تقويمنا يوماً للاحتفال بحقوق الأطفال وهواياتهم، أخرجوهم من الحاويات أولاً، وأطعموهم وبدّلوا أكياس القمامة في أيديهم بدمىً ودفاتر رسمٍ، وبعدها قولوا لهم إنكم أطفال هذا الوطن، يزهو بكم وبه تستحقون الحياة.

العدد 1104 - 24/4/2024