في شوارع تل أبيب

أحمد ديركي:

من المصطلحات السياسية الجديدة المقززة (نشعر بالقلق).   فـ(الشعور) حالة نفسية، وليس بالضرورة فردية، فالحالة النفسية يمكن أن تكون جماعية، للتعبير عن أمور متعددة ومتعاكسة من (الغبطة)، قمة السعادة، وصولاً إلى أقصى العكس المتمثل بـ(الحزن). إذاً، الشعور غير محدّد وليس مبنياً على أسس واقعية علمية أو عملانية واقعية، بل يبنى الشعور على معطيات أولية غير واضحة تعمل على إشغال المخيلة البشرية لتخيل أشياء وأحداث يمكن أن تحدث أو يمكن أن لا تحدث. لن نطيل الشرح والتفسير النفسي والاجتماعي لمعنى الشعور، ولكن لنأخذ مثلاً واقعياً يترجم حالة (الشعور).

يشعر الطالب بالسعادة عندما يعلم أنه قد تخطى الامتحانات الرسمية. فهذا شعور مبني على حالة واقعية ونتائج معطاة، ولكنه في الوقت عينه هناك شعور القلق من الانتقال مرحلة إلى اخرى. وفي هذه الحالة يكون الحدث الواقعي من يصنع الشعور بطريقة غير محضة، فالشعور دائماً مختلط لا نقي، وغالباً ما يكون الحدث أسبق على حالة الشعور. الطالب نفسه يشعر بالسعادة لأنه سوف ينتقل من مرحلة دراسية إلى مرحلة اخرى أعلى من السابقة. الشعور بالسعادة هنا مبني على معطى ولكن يمكن أن يتحقق ويمكن أن لا يتحقق، أي تحقيق الفعل لاحداث السعادة. فعلى سبيل المثال، من دون سابق إنذار: حرام آلاف من الطلاب من الدخول إلى الجامعة بسبب رفع الأقساط بشكل مرعب، فمنعوا بقرار صدر بين ليلة وضحاها من أن يبنوا مستقبلاً علمياً يفيد الوطن ليتحولوا إلى (وقود حرب) لأصحاب إصدار القرار.

أي أن الشعور في كثير من الأحيان يبنى على معطى مستقبلي قد يتحقق وقد لا يتحقق. وبهذا فالشعور حالة غير مستقرة على أسس ثابتة.

(القلق(: أيضاً حالة نفسية فردية أو جماعية تقوم على أسس مجهولة النتائج لأحداث قد تقع مستقبلياً. وإذا عدنا إلى المثل السابق، الطالب، فهو بحالة قلق بين فترة ما بعد الامتحانات وقبل إصدار النتائج.

فالقول (نشعر بالقلق) يشير إلى عدم اتخاذ موقف من مجريات الأحداث لأن الأمور غير واضحة المعالم لاتخاذ قرار. وقد هربت معظم الأنظمة السياسية والمنظمات العالمية والدولية وغير الدولية والمحلية… إلى استخدام هذا التوصيف لما يجري من مذابح وانتهاكات واضحة ومثبتة لما يرتكبه الكيان الصهيوني من جرائم حرب في غزة.

أي بطريق غير مباشرة، كل من يستخدم هذا المصطلح (نشعر بالقلق) يمنح الكيان الصهيوني الضوء الأخضر لاستكمال مجازرة بالشعب الفلسطيني. وبهذا فهو خائن للبشرية وليس للقضية الفلسطينية فقط. لأن ما يجري في غزة جريمة ضد البشرية، وليس جريمة ضد الشعب الفلسطيني فقط.

ينطبق هذا على الطرف الآخر، أي غير العربي. فماذا تفعل الأنظمة السياسية العربية تجاه ما يرتكبه الكيان الصهيوني من مجازر بحق الشعب الفلسطيني؟

الأمر الجيد أنهم يقومون بمجازر أفظع من جرائم الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني. اجتماع يليه اجتماع والنتيجة (إدانة) و(استنكار) و(دعوة)… ثم عودة كل (زعيم) إلى قبيلته. فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما زار وفد صهيوني السعودية وتمشى بشوارع العاصمة، الرياض، قال: (أشعر وكأنني أتمشى بشوارع تل أبيب)! كان هذا قبل شن عملية القتل الوحشي من قبلهم للشعب الفلسطيني، وحضر ذاك المؤتمر كل وزراء السياحة العرب وغير العرب المتغنين بعلاقاتهم الطيبة مع السعودية.

وهنا يُطرح السؤال: أين عُقدت القمة العربية الطارئة من أجل غزة (في شوارع تل أبيب)؟!

العدد 1104 - 24/4/2024