حبّ الذات أهمية وليس أنانية

ياسمين تيسير أبو ترابي:

هل الاهتمام بالذات أنانية؟!

يُسمّى شريراً كل من لا يعمل إلا لمصلحته الذاتية. لقد صُدِّعت رؤوسنا ونحن صغار عن أن السعادة تكمن في العطاء، ولكن الأمر كان دائمًاً يدور حول أن هذا العطاء يتمحور حول العطاء للآخرين، دائماً يجب أن تعطي الآخرين. لا أحد أخبرنا يوماً أن املأ كأسك، دفّئ نفسك، أعطِ لنفسك الأهمية.

ندورُ غالباً في دائرة أن نعطي الآخرين، ونؤدي لهم ما استطعنا، ثمَّ ننتظر ما سيقدمونه هم لنا في المقابل. نحملُ التوقعاتَ حتّى إذا امتنعَ أحدهم عن إعطائِنا ما نود الحصول عليهِ سواءٌ كانَ مادياً أو معنوياً، تنهارُ الحياةَ والقيم في أعييننا، كما تنهارُ نفوسنا من الداخلِ.

ونبقى في دائرةِ انتظارِ أنْ يقومَ الأخر بتعويضنا عمّا فقدناهُ من الوقتِ الّذي كانَ يجبُ أن نُعطي أنفسنا فيه كل ما ينقصها.

نعم! كبرنا جميعاً ونحنُ نتخيلُ أنه إذا رفضتَ طلب المساعدة لأحدهم فأنتَ أناني، إذا قلتَ لا لمديركَ فلن تجد وظيفة بعد ذلك، إذا قلتَ لا لمدرّسك فأنت توقفت عن تقدير من يعلّمونك، إذا قلتَ لا لأبويك فأنت عاقّ، ويتضحَ في النهايّةِ أنّكَ في آخر قائمة الاهتمام، وكلُّ ما كان قبلك جدير بالاهتمام والتقدير والإحسان أكثر منك!

هذه العبارة مثلاً تُخبرنا أننا إذا اهتممنا بأنفسنا فنحن أشخاص أشرار!

فلماذا أكون شريرة حينما أهتم بنفسي؟ هل من المعقول أن أبقى في خِضمِّ ملء كؤوس الآخرين بينما كأسي فارغٌ، ثمَّ أبقى أتجرّعُ الاحتياج بعد ذلك!

لماذا إذاً أخبرونا أن هذا النوع من الاهتمام بالنفس شرٌّ لابدَّ لنا أن نتجنبه؟!

فهل هذا ما كان شائعاً في الماضي بحقّ؟

لكن بعد أن تعبت النفوس من العطاء وظلم النفس، آن أوان تغيير هذه المعايير.

الشرُّ الذي لا بدَّ أن نتجنّبه هو إيذاء الآخرين، توجيه الأذى لهم أو تسليطه عليهم.

لكن رفضنا القيام بشيء معين لأننا مرهقون، فهذا من حقوقنا الشخصية.

لنفكّر بها من جانب آخر إذاً، فإذا اعتنيت بنفسي، ووضعت أولوية لها ومن بعدها للآخرين، سأستطيعُ مساعدة الآخرين حينئذٍ أكثر، مقارنة مع ما إذا قمتُ بإيذاء نفسي وإهمالها فلا أجد شيئاً لأعطيه لهم.

والآن، ما زلتُ لا أفهم كيف أن اهتمامنا بأنفسنا يصبّ في خانة الشرّ؟؟

هل ما أقرؤه هنا يمكن أن تكون تجربة شخصية أم هو خلاصة تجارب أم دراسة أم ماذا؟

لا ننكرَ أنَّ هناك اختلافاً ما بين الاهتمام بالذات وتدليلها، وإذا كانت المفاهيم المنتشرة في المجتمع هي ما نُشير إليه، فهذا يعني أن المجتمع يذهب إلى تدليل الذات وليس تحمّل المسؤوليات عنها، ولو كان هذا المجتمع يحاسب نفسه، لكان تحدث قليلاً وبصوت جهور عن مسؤولياته، واعترف بأخطائه. لكنَّ الجميع يتحدث عن حقوقه وما يريده، الكبير يُحبّذ أن يُهين الصغير، فإذا دافع الصغير عن نفسه وردَّ الإساءة، اتهمه الكبير بإساءة الأدب، فالصغير عليه أن يحترم الكبير (هو يعني أن الكبير من حقّه أن يستعبد الصغير الذي من واجبه احترامه).

أعتقد أن حق الإنسان في الاهتمام بذاته لا يؤخذ بإقناع الآخرين، وإنما يُنتزع منهم، فهم يأخذون من مساحتنا الشخصية ليزيدوا من مساحاتهم، وهذا اعتداء صريح يُرد بقوة صريحة مماثلة.

ولذلك، لا تعتبر أنانية أبداً، وأنا أسير على قاعدة في حياتي وضعتها بعد عدّة تجارب، لأقول:

(لا تمنح أحداً القدرة على تبديل سعادتك إلى حزن، أو تغيير مزاجك بكلمة أو التأثير عليك أو على إسقاطك ورفعك بكلمة أو فعل، امنحهم كل ما تحب أن تمنحه إلّا نفسك وسعادتك فلا أحد يستحق ذلك إلّا أنت، عش من أجل نفسك، أدر ظهرك لكل من لا يستحقك، فلا غياب إلّا غياب راحتك وفرحتك، ولا فقد إلاّ فقد ذاتك).

العدد 1105 - 01/5/2024