الإنسانية.. لغة لا يُتقنها إلاّ قليل من البشر

ياسمين تيسير أبو ترابي:

الإنسانية.. قيمة راقية جداً وسلوك إنساني نبيل وأفعال لا تُقدر بثمن. الإنسانية، ليس لها مكافأة ولا ينتظر الإنسان الحقيقي التقدير ولا الجوائز ولا حتى كلمات الشكر والثناء وإلّا فلا تنطبق عليه صفة الإنسانية.

يُحتفل باليوم العالمي للوالدين في الأول من حزيران سنوياً لتكريم الآباء والأمهات في جميع أنحاء العالم. فالوالدان هما ركنا الأسرة وأساس المجتمع.

بالتأكيد، لا يكفي يوم واحد لنشكر آباءنا وأمهاتنا على ما قدموه لنا طيلة سنوات. فهم يستحقون التقدير والاحترام، ومهما تعدَّدت أسباب السعادة، يبقى وجود الأب والأم هو سرُّ السعادة، فرضاهم غايتنا وسعادتهم ضياء يُنير دروبنا.

وكما قال الله تعالى: (واخفض لهما جناح الذلِّ من الرحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيراً)

فالإنسانية مشاعر تسكن حنايا القلوب وأعماق الروح، نبوح بها بأفعالنا، وبكلماتنا وبهمساتنا، بدمعاتنا وكتماننا. لا نفقدها حتى وإن فقدنا عقولنا.

ويبدو أن حماية الأطفال من العدوان شعار أممي لم يتحقق رغم أنه تحت عنوان (حماية الأطفال الأبرياء ضحايا العدوان) يُحتفَل به سنوياً في كل أنحاء الدول، لكن الأطفال لا يزالون بعدَ خمسٍ وثلاثين عاماً من تلك المناسبة السنوية التي تصادف في 4 حزيران يتعرضون لمختلف أشكال الاعتداءات الجسدية والمعنوية والعاطفية في مختلف أنحاء العالم. وإذا كانت الحروب هي العدوان الصارخ على حياة الأطفال، إلاّ أن حقوق الصغار الأساسية ليست مُطبّقة في غالبية الدول.

فالانتهاكات الأكثر شيوعاً لحقوق الأطفال والاعتداءات الأقوى ضدّهم هي: تجنيد الأطفال، واستخدامهم في الحروب والقتال، والعنف الجنسي، والاختطاف، والهجمات على المدارس والمستشفيات، والحرمان من وصول المساعدات الإنسانية.

ورغم الهدف الرئيسي من هذا اليوم العالمي والمُتمثّل بحماية الأطفال من العدوان، والاعتراف بآلامهم جرّاء الاعتداء الجسدي والعقلي والعاطفي، وهذا ما لمسناه وما زلنا نلاحظه في الواقع السوري المرير. فالحرب في سورية جعلت حياة جيلٍ بأكمله من الأطفال ومستقبله معلَّقين بخيط رفيع ما بين العيش بكرامة أو التيه بمسالك سلبية.

لا يمكن أن تمرّ هذه الذكرى مرور الكرام على نظر العالم، بينما يستمر كفاح الأطفال والعائلات في سورية، لا يمكن للاحتياجات الإنسانية أن تنتظر. ينبغي على المجتمع الدولي أن يبذل قصارى جهده لإحلال السلام في سورية وحشد الدعم للأطفال. لأن صراع البقاء يطيح بأحلامهم وطموحهم، والرجاء الأخير أن نصدَّ هجمات الجوع والمرض عن الأطفال ومنحهم فرصة ثانية للعلاج من هذا السراب المسموم.

إن شهر حزيران يحفل بمناسبات عدّة وكلّها تصبُّ في مجرى الإنسانية، فيوم 12 حزيران من كل عام هو يومٌ عالمي لمكافحة عمل الأطفال، يتم من خلاله إلقاء الضوء على محنة الأطفال العاملين وكيفية مساعدتهم، وأيضاً ليكون فرصة للدعوة لبذل الجهود اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة من قبل كل الأطراف المعنية سواء الحكومات ومؤسسات أصحاب العمل والعمال والمجتمع المدني، وهذه المناسبة تؤكّد أن قضية عمالة الأطفال كانت ولا تزال تتبوأ أولوية على أجندة أعمالنا، باعتبارها قضية تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الأطفال، وسبباً رئيسياً في إعاقة تعليمهم ونموهم نفسياً وجسدياً وعقلياً.

ونظراً لما شهدته هذه الظاهرة من تزايد في ظل جائحة كورونا (كوفيد – 19 ) لكون الأطفال خارج المدرسة أوقاتاً طويلة، فضلاً عن وقوع العديد من الأُسَر في فخِّ الفقر، الأمر الذي زاد من مخاطر إجبار الأطفال والفئات الهشّة على العمل، بل والوصول إلى أسوأ أشكال عمالة الأطفال من خلال الزجِّ بهم في النزاعات المُسلّحة وعصابات الاتجار بالبشر. تُشير مختلف التقارير الدولية والإقليمية إلى أن الخطوات التي تم إنجازها بمعركة مواجهة عمالة الأطفال على مدار العقدين الماضيين تتعرّض لخطر داهم بسبب (الجائحة)، لاسيما في المجتمعات والأماكن الفقيرة والمُهمّشة.

وتجدر الإشارة إلى أن جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية ومنظمة العمل الدولية والمجلس العربي للطفولة والتنمية قد أعدوا دراسة إقليمية بعنوان (عمل الأطفال في الدول العربية) بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، وأطلقت هذه الدراسة في آذار لتكون وثيقة استرشادية لدعم جهود الدول الأعضاء وللقضاء على ظاهرة عمل الأطفال.

ومن خلال هذه الجهود الإقليمية المشتركة، نُجدّد بل ونؤكّد ضرورة بذل المزيد من الجهود من أجل العمل على وقف أسوأ أشكال عمل الأطفال قبل عام 2025 بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة 2030، وما أقرته كل المواثيق والاتفاقيات الدولية لحماية أجيالنا القادمة، والعمل معاً من أجل تمكين هذه الأجيال وتهيئتها لمستقبل مختلف تتشكّل ملامحه قريباً بعد انتهاء آثار الجائحة والحروب.

الإنسانية، سلوك تلقائي يحمل في مضمونه الخير، والحب، وجبر الخواطر، والعطف، والحنان، والإخاء، والمساعدة، والتعاون والمشاركة والاهتمام والدعم والمساندة. ورغم هذا نجد أن الكثيرين على قيد الحياة، لكنهم قليلون من هم على قيد الإنسانية.

العدد 1105 - 01/5/2024