الأجندة الدولية.. عناوين بلا أثر فاعل

إيمان أحمد ونوس:

(الأسرة هي القلب النابض للحياة الاجتماعية، لأنها تضمن رفاه أفرادها، وتعلّم أطفالها وشبابها وتنشئ الوعي الاجتماعي فيهم، ولذا فهي وحدة رعاية الكبار والصغار. ويمكن أن تُسهم الأسرة على وجه الخصوص في صياغة السياسات المعنية بها فيما يتصل بتحقيق أهداف التنمية المستدامة وبخاصة الأهداف المعنية بالقضاء على الفقر والجوع، وتعزيز الحياة الصحية والرفاه للجميع، وضمان الفرص التعليمية الدائمة، وتحقيق المساواة بين الجنسين).

هكذا ينظر المسؤولون الأمميون إلى الأسرة التي خُصص لها يومٌ عالميّ بتاريخ 15 أيار من كل عام تنفيذاً لقرار الأمم المتحدة رقم 237/ 47 الصادر عام 1993 الذي يعكس اهتمام المجتمع الدولي بالأسرة لأنها النواة الأولى لمختلف المجتمعات البشرية.

وانطلاقاً من هذا، ولأن عماد هذه الأسرة أبوان مُكلّفان بتأمين كل احتياجات أفرادها على مختلف المستويات، فقد ارتأت الهيئات الدولية أن تتمَّ العناية بالأبوين ودعمهما بكل ما يمكن لأجل القيام بمهامهما المنوطة بهما، فأعلنت الأمم المتحدة عام 2012 وبالقرار رقم 66/292 الأول من حزيران يوماً عالمياً للوالدين تقديراً منها (لكل الآباء في جميع أنحاء العالم لالتزامهم تجاه الأطفال وتضحياتهم مدى الحياة من أجل رعاية هذه العلاقة).

وأعتقد أن تحديد هذا اليوم بالتزامن مع اليوم الدولي لحماية الأطفال الذي أقرّه الاتحاد النسائي الديمقراطي الدولي في مؤتمره بموسكو بتاريخ 4 تشرين الثاني عام 1949 وتمّ اعتماده دولياً عام 1950 يأتي للدلالة الأكيدة على أن الأبوين بحاجة إلى الدعم لمنح أطفالهم أفضل بداية ممكنة في الحياة استناداً لأهداف التنمية المُستدامة المُدرجة على جدول أعمال الأمم المتحدة في عام 2015 للقضاء على الفقر، وتعزيز الرفاه الاقتصادي المشترك، وتعزيز التنمية الاجتماعية.

وهنا يتضح أن دعم الأبوين ورعايتهما لا تقتصر على شيخوختهما فقط كما هو شائع، بل تسبقها بسنوات كان الأبوان خلالها في ريعان شبابهما، وأن مهامهما تحتاج وتتطلب الدعم والرعاية اللازمين للقيام بمسؤولياتهما تجاه الفرد والمجتمع. مع أن تقديم الدعم لهما حين الوصول للشيخوخة ضرورة موازية لأنهما حينئذٍ يفقدان القدرة على العمل ويحتاجان لكل دعم إنساني/ مادي، على الأبناء والمجتمع والحكومة بهيئاتها المعنية تقديمه لهما كي ينعما برفاهية أو أمان يليق بعطائهما السابق.

أكّد معهد جنيف لحقوق الإنسان ضرورة مساهمة الحكومات في دعم الأُسَر الفقيرة التي يعمل فيها الآباء ساعات طويلة بعيداً عن أسرهم، بما يخلق وضعاً يحقّق أحد أهمّ مرتكزات التنمية المستدامة وهو الاستقرار. كما دعا الدول التي اجتاحتها الصراعات أن تضع حدّاً لهذه الصراعات والنزاعات التي كان الأطفال ضحيتها الأولى. وعليه، ونظراً للفظائع التي تعرّض لها أطفال لبنان عام 1982 أعلنت الجمعية العامة بموجب قرارها دإط – 8/7 المؤرخ 19 آب عام 1982 يوم الرابع من حزيران يوماً دولياً لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء، اعترافاً منها بمعاناتهم من سوء المعاملة البدنية والعقلية والنفسية، وللتأكيد على التزام الأمم المتحدة بحماية حقوق الأطفال وصولاً إلى توقيع اتفاقية حقوق الطفل عام 1989 التي تنص الفقرة الثانية من  المادة 19 على:

(تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كل أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني (الأوصياء القانونيين) عليه، أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته).

كما اعتُمد القرار 51/77 الخاص بحقوق الطفل وحمايته. في تطور بارز للجهود الرامية إلى تحسين حماية الأطفال في حالات الصراع، ويُشير التقرير إلى بدء توافق جديد في الآراء بين الدول الأعضاء بشأن الحاجة إلى الاهتمام المكرّس من أجل التصدي لأوجه الضعف والانتهاكات الخاصة التي يواجهها الأطفال في الحالات المتصلة بالنزاع، لكونهم الأكثر ضعفاً وتضرّراً من عواقب الحرب. ولعلّ الانتهاكات الأكثر شيوعاً هي تجنيد الأطفال واستخدامهم في الحرب والقتل والعنف الجنسي والاختطاف والهجمات على المدارس والمستشفيات والحرمان من وصول المساعدات الإنسانية. وهذا ما عاناه للأسف أطفال سورية على مدى أكثر من عشر سنوات ولا يزالون عرضة للعديد من الانتهاكات التي فرضها الواقع المعيشي الناتج عن الحرب، كتشتّت الأسرة أو غياب مُعيلها، فلم يبقَ غير الأطفال مُعيلين لأسرهم وانخراطهم بأعمال لا يمكن ولا بأي حال أن تناسب نموهم النفسي والجسدي والقيمي.. ما دفع بمنظمة اليونيسف للتحذير من تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال السوريين التي بلغت مستويات خطيرة، وهذا ما يتعارض وبشدّة مع اتفاقية حقوق الطفل التي تنص الفقرة الأولى من مادتها 32 على:

(تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراً أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضاراً بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي).

وأوجبت الاتفاقية على الدول الأطراف فيها اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل هذه الحماية، ووضع حدّ أدنى لسن الالتحاق بالعمل، تماشياً مع اتفاقيات العمل الدولية التي أكّدت جميعها على عدم تشغيل الأطفال ما قبل الخامسة عشرة من العمر، لاسيما اتفاقيتي العمل رقم 138 لعام 1973 والاتفاقية رقم 182 لعام 1999 اللتين حدّدتا عدداً من الأعمال التي اعتبرتها الأسوأ ممّا قد يؤديه الطفل وهي الرقّ بكل أشكاله وأنواعه، والعمل القسري، واستخدام الأطفال في الصراعات المسلحة، وهو ما تعرّض له أطفال سورية على مدى سنوات الحرب وحتى اليوم في بعضها. ما يستوجب النهوض بواقع الطفولة السورية التي اغتالتها رحى الحرب والجوع والفقر والتسرّب الدراسي. وذلك من خلال وضع خطط إعادة تأهيل لأولئك الأطفال وإعادة إدماجهم في المجتمع حفاظاً عليهم كثروة وطنية معنية بصناعة وصياغة مستقبل البلاد، وهذا ما أكّدت عليه المادة 39 من اتفاقية الطفل والتي نصّت على:

(تتخذ الدول الأطراف كل التدابير المناسبة لتشجيع التأهيل البدني والنفسي وإعادة الاندماج الاجتماعي للطفل الذي يقع ضحية أي شكل من أشكال الإهمال أو الاستغلال أو الإساءة، أو التعذيب أو أي شكل آخر من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو المنازعات المسلحة. ويجري هذا التأهيل وإعادة الاندماج هذه في بيئة تعزز صحة الطفل، واحترامه لذاته، وكرامته).

فهل من إمكانية جادة وحقيقية لتفعيل جميع الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية وعدم بقائها مجرّد أجندات لا تأثير حقيقياً لها على أرض الواقع إنقاذاً لملايين الأطفال في العالم؟ وهل يُكثّف المجتمع الدولي جهوده، مقابل تقليص مصالحه وإلغاء العقوبات الاقتصادية بما فيها قانون قيصر إنقاذاً لأطفال كبروا قبل أن يولدوا، ذلك أن هذه العقوبات لم تطُل سوى الشرائح الأضعف في المجتمع وفي مقدمتهم الأطفال؟

العدد 1104 - 24/4/2024