إلى أين تمضي بنا أيها العالم الأعمى؟

حسين خليفة:

(سأخبر الله بكل شيء!) ما نطق به الطفل السوري، وهو يلفظ آخر أنفاسه بسبب القصف الأعمى، هو لسان حالنا أطفالاً وكباراً في بلد لم يعد مكاناً صالحاً للعيش بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

لن ننتظر الأيام العالمية للطفل والمرأة والأبوين، والأطفال ضحايا الحروب، ومناهضة عمل الأطفال، وغيرها من الأيام التي حدّدتها الأمم المتحدة وكادت تغطي بها روزنامة العام كاملة. لن ننتظر منظماتها التي تعمل موسمياً في إغاثة الشعوب التي تمزقها الحروب والنكبات، بالأمس العراق، ليبيا، اليمن، واليوم سورية، والآن تمتد قوافل الإغاثة الى السودان وأوكرانيا وربما قريباً تعود إلى أفغانستان وإيران بعد ان بدأت الجبهات تشتعل بين الدولتين اللتين تستخدمان منجزات عصر الذكاء الصنعي لخوض حروب الماضي.

لن ننتظر تصريحات القادة العالميين من قلق بن كي مون إلى صفقات الدول العظمى تحت الطاولات وفوقها لنُحرّر مرافعاتنا إلى الله الذي لم يعد لنا غيره في ظلِّ غياب الإنسانية والضمير العالمي عن مآسي الفقر والحروب والتشرّد والهجرات، وليس من عبث أن ردّد الناس مراراً (مالنا غيرك يا الله)، بل هو تعبير عن فقدان كل يد حانية، فقدان الحس الإنساني الحقيقي لدى صنّاع القرار في العالم والإقليم وفي بلداننا السائرة إلى زوال طبعاً، بالتزامن مع فقدان الأمل بأي انفراج قادم لدى شعوبنا التي تصنع انقراضها بتناغم مدهش مع الحكومات والقادة.

ألم يكفِ السوريين ما دفعوه من فاتورة صراع الكبار باللحم الحي، بأحلام الأمان والاستقرار، بمستقبل الأطفال الذي غرق مع من غرق من أطفالنا ونسائنا ورجالنا في بحار العالم وهم يحاولون الفرار من هذا الموت العميم؟!

ألم ندفع بعد حصتنا من إرضاء وحوش هذا العالم ونهمهم إلى المزيد من مناطق النفوذ والأرباح والثروات؟!

ألم يكفِ أن بلاداً كان يمكن أن تصبح جنتك على هذه الأرض، فيما لو توفر لها حكومات رشيدة تخضع للمساءلة والمحاسبة والتغيير كسائر حكومات الأرض، إذ تحولت بلادنا في عقود إلى يباب ومقابر وأطلال مُدمّرة فيما الضباع تتناهش الناجين لتقتلهم جوعاً وقهراً؟!

أسئلة كثيرة نحملها كذلك الطفل الحلبي إلى الله بعد أن لم يعد من جدوى لسؤال أحد، للاستنجاد بأحد، لمخاطبة أحد!

كلهم أخذوا حصتهم من دمنا ولم ينصرفوا، كما طلب محمود درويش مرّة من الغزاة، بل بقوا متشبّثين برقابنا وقهرنا، ولم يبقَ سوى ذلك الرب الذي في الأعالي لعلّه يُنصتُ لوجع السوريين، لعلّه يجد نهاية لآلامنا التي طفت على سطح هذا العالم الأعمى.

العدد 1105 - 01/5/2024