عملك يعبّر عن شخصك الحقيقي

ياسمين تيسير أبو ترابي:

عندما كُنّا صغاراً كانت كُتبنا المدرسية تعجُّ بصورٍ لعمال في مصنع أو في شارع، أو ربما لعامل يقف على أحد أعمدة الكهرباء. فكان ينتابني إحساسٌ بالفخر تجاه هؤلاء الذين قيل عنهم إنهم يبنون الوطن. كان والدي أحدهم وكنت أفتخر بأنه ينتمي لهذه الطبقة القيّمة من المجتمع.

فهذه الطبقة هي الخط الأول حقاً في بناء المجتمع، سواء أكان هذا العامل في مجال الصناعة أو التجارة أو حتى في مجال الزراعة، إنه حقاً صانع الوطن بجدارة، وحبيبات العرق التي تتساقط من جبينه وهو يزاول مهنته بطهارة أثمن كنز للوطن.

فالأول من أيار سيبقى يوماً وطنياً بامتياز، نشعر به وكأن لآبائنا أهمية لا يمحوها الزمان ولا الظروف ولا حتّى كل الحروب في العالم.

نحتفل كذلك بهذا اليوم تكريماً وعرفاناً لجهود جميع العاملات والعاملين في العالم، الذين يعتبرون البناة الحقيقيين لأوطانهم.

في سورية، تشدّقت الحكومات والنقابات طويلاً بحقوق العمال، في حين سادت الوساطات والمحسوبيات في القطاع العام، وفي القطاع الخاص لم يكن العمال يملكون أدنى حد من الحقوق، ونتيجة الحرب التي تسبّبت بالنزوح واللجوء لعدد كبير من المواطنين، ووصول نسبة لا يستهان بها منهم إلى ما دون خط الفقر، تعرضت الطبقة العاملة الكادحة للمزيد من المشاكل، كزيادة نسبة البطالة، والعمل لساعات طويلة مقابل أجور زهيدة جداً، دون أيّة ضمانات أو حقوق، كالتأمين الاجتماعي، وأحياناً من دون الحصول على الحد الأدنى من معايير الصحة والسلامة المهنية، كما تزايدت ظاهرة عمالة الأطفال بشكل كبير نتيجة الفقر وانقطاع الأطفال عن الدراسة.

رغم كل الآثار السلبية للحرب في سورية على صفوف العاملات والعاملين، إلاّ أنه في الوقت نفسه كان هناك تغيير ملحوظ في الأدوار الجندرية بين النساء والرجال، فقد أصبح عدد كبير من النساء هنَّ المعيلات الوحيدات لأسرهن وأطفالهن، فدفعت الظروف الكثيرات منهن إلى العمل خارج المنزل، واضطر بعضهن للعمل بمهن لم يمارسنها سابقاً، وربما بشكل لم تألفه بعض المجتمعات المحلية التقليدية، فتغيرت بعض الصور النمطية للمرأة العاملة بشكل إيجابي، وهذا ما يجب النضال من أجله لينعكس إيجابياً على صعيد قانون العمل والمساواة بين الرجل والمرأة في الأجور والضمان الاجتماعي والصحي، خاصة أن التمييز يطول المرأة بشكل أكبر وخاصة في القطاع الخاص الذي يستغل النساء والأطفال.

نأمل أن ت/يحصل جميع العاملات والعاملين في سورية وفي كل أنحاء العالم على كامل حقوقهن/حقوقهم، وأن يبقى عيد العمال دائماً يوماً لتخليد النضال من أجل الحرية والحقوق الاجتماعية والمساواة. وباسمي وباسم كل مواطن عربي سأقدم كلماتي التي تليق بحضارتكم:

إلى أبناء الوطن، أنتم صنعتم هذا الوطن بجماله وقدره، كل عام وأنتم صنّاع النجاح!

في يوم عيدكم يا صنّاع الوطن، أتمنى أن يزيدكم الله قوة وعلماً لتبنوا هذا الوطن. عيدكم عمال الوطن مكتوب على الجدران، يوم سعيد عليكم، فأنتم ذخر هذا الوطن. نهنئكم في عيدكم، فلولاكم لما كان وطننا بهذا الجمال، والتطور، حفظكم الله!

يقول أحمد شوقي:

سعْيُ الفَتى في عَيْشِهِ عِبادَهْ

وقائِدٌ يَهديهِ للسعادهْ

لأَنّ بالسَّعي يقومُ الكوْنُ

والله للسَّاعِينَ نِعْمَ العَونُ

كل عام، ووطننا مزدهر بكم، كل عام وبلادي قوية وعظيمة بعمالها الكرام!

العدد 1105 - 01/5/2024