مشنقة الـ(ســين)

جعفر فرح خضّور:

لن أخوض هنا (بالاشتراكية الطوباوية)، ولا بأفكار (أوين)، ولا بالغوص في القرن التاسع عشر بثورته الصناعية التي أسّست يوماً عالمياً للعمال في الأول من أيار (مايو) من كل عام، بل في الوضع العمّالي السوري خصوصاً، فاليوم لا تقتصر المسألة فقط على أجر مقابل ثماني ساعاتٍ طوال شهر كامل بمبلغ 200 ألف ل.س ( كأقل تقدير طبعاً في القطاع الخاص)، بل في الحالة النفسية القاتلة التي يعيشها العامل بسبب عدم قدرته على التفكير في الادخار، بمعنى أنه يأكل بما يعمل به، دون أن تكون أمامه مساحة ولو يسيرة للادخار كمؤونة أزمات. الأمر لا ينبسط فقط على طبيعة العمل وإن كانت أساسية، بل في عدم تناسب الجهد مع الأجر المُعطى نهاية الشهر، ثم إنَّ أصحاب العمل ورؤوس الأموال كأنهم يعيدوننا إلى زمن الإقطاع لكن دون طرابيش بل ربطات عنق، لأن المشكلة الأساسية وهي حاجة العامل الفقير أو الباحث عن عمل تتركّز في تبرير موجود في مواجهته عندما لا يرضى بالأجر: اذهب وابحث عن غيره أو بالحد الأدنى نُعطيك ما لا تحلُم به في القطاع العام – قطاع الموظفين في الدولة.

هذا على مستوى عقود غير موقّعة بخبرات متواضعة وبنفس لاهثة وراء لقمة العيش وعلى سكين تذبح ماء وجه الشهادة المُعلّقة على الجدار. أما على مستوى وظائف الدولة فتلك سالفة أخرى. الموضوع هنا ليس بأجر وحسب، بل بروتين مقيت يكهل الموظف ويجعله يَملّ من أجل 150 ألف ل.س يقبضها في آخر الشهر، بعد أن يكون صرف راتبه الأول أجرة طريق لوظيفته، أو وضعه ثمن كيلو خضار يومياً من 3 أصناف أو 4.

تتجسّد معاناة العمال السوريين اليوم بالرؤية الكلّية للعامل بالدرجة الأولى، وللبيئة التي لا تنفكُّ بعملها ضمن تلك الرؤية، فسورية كبلد نامٍ اشتراكي، المفروض أن تكون مجتمعاً إنتاجياً والإنتاج يتطلّب يداً عاملة حتى يرقى لأن يكون مادة في السوق. أصل المعاناة في عدم موازاة الراتب أو الأجر لهذا السوق، أي في الغلاء الفاحش الذي لا يُناسب أبداً الراتب بل ويتعدّاه تماماً، فيغدو العامل مشغولاً بعمله من جهة، وبتفكيره في كيفية العيش وفق أهواء السوق من جهةٍ أخرى. نذكر هذا ولم نُعرّج على طبيعة القيادة الإدارية التي أفنى كبار الفقهاء الحقوقيين حياتهم وهم يكتبون عنها لإدارة العمل ضمن المنشأة الواحدة سواء في القطاع العام (الإدارة العامة) أو الخاص(إدارة الأعمال) وهو بالطبع ما تفتقده ثلاثة أرباع الوظائف، وتوفره بعض جهات القطاع الخاص كالشركات بالربع الباقي!!

لا أعرف حقيقةً ما إن كان وقع السياسات الحكومية وبعض النقابات المهنية العمّالية يدعو للاحتفال بعيد العمال أو حتى تهنئتهم! على ماذا ولماذا!؟

قد لا يكون الحل بتحسين ظروف العمل أو طبيعته، ولا بالأجر، ولكن بالحد الأدنى كبح جماح الأسعار لتتواءم مع المقدرة الشرائية للعامل بشكل رئيس وللمواطن غير العامل.

على مقلبٍ آخر هناك في الأراضي الريفيّة يغدو عاملاً يستكين لأهواء تجّار التعب والهمّ (المزارع) الذي يعادل سعر كيلو القمح المُشترى منه أقل من سعر كنزة مستعملة!!

المطلوب اليوم هو الخروج من تحت مزراب (س) المستقبل: (سنعمل، سنطوّر، سنرفع، …إلخ) التي تحزُّ بأسنانها الثلاثة رقبة العامل وما تبقى من ماء وجه فيه، للتوجّه نحو العمل ولا شيء غير العمل، وفي مقدمته العقلي على مستوى اتخاذ القرار وكيفية اتخاذه وتدعيم القطاع العام الذي من المفروض أن يكون الملجأ الآمن للعامل، بل أن يكون يوم العمال فرصة لحزمة قرارات تفاجئ بميزاتها المجتمع من حيث أهميتها ودورها الناهض في التطوير، أم أن استمرارية راتبي بعد تقاعدي أو وفاتي  يعني أن يَستنزف جهدي من أجل الحفاظ على 80 ٪ منه، و 20 ٪ نسفها التقاعد!!

تبعد مسافة المفارقة بين الأدبيات التي عرّفت العمل والعامل وأكّدت ضرورة الجهد المشترك لتحقيق هدف موحّد بُعد السماء عن الأرض في تعاطيها الحقيقي والواقعي اليوم مع العامل، فكيف يكون جهده مشتركاً في العمل كعمل حتى ينجزه، ولا يأخذ ما يناسب جهده فعلياً، أم أن العمل أهم ممّن أنجزه!!

لا تعايدوني كعامل ما لم يكن لي المكان الأرقى في المجتمع الذي لا ولن يُبنى من دوني، إن استفقت من رمقي وأنا بانتظار (س) وعودكم!

العدد 1107 - 22/5/2024