التوحد ليس إعاقة بل قدرات مختلفة

ياسمين تيسير أبو ترابي:

هذا ما ابتدأ به الشخص المُصاب بالتوحد:

(أسمعُ الأشياء بصوت عالٍ، وأرى الأشياء بشكل أكثر وضوحاً، وأشمُّ الأشياء بقوة أكبر، وأتذوق الأشياء بطعم مختلف، وأنا أعاني من مرض التوحد. التوحد لا يعرفني، أنا فقط أعرف ما معنى التوحد.

لا أعرف شيئا عني سوى أنني توحدي.. هكذا يطلقون علي، إنسان آلي، غريب في كل شيء.. لا أعي من هم حولي.. باردة مشاعري.. فاترة عواطفي.. لا أبالي بشيء.. حتّى بأمي وأبي.. فكل ما يهمني هو عالمي.. أُجيدُ لغة الصمت.. أهوى لغة الأمل.. أتحدث لغة عربية.. لا يفهم طلاسمها حتّى أبناء جنسي.. هكذا يقولون عني.. طفل توحدي.. مخلوق عجيب).

من برأيك صنع أول رمح حجري؟

إن كنت تريد التخلص من جميع جينات التوحد، فلن يكون هناك المزيد من وادي السيليكون.

ولمعرفة حقيقة هذا الاضطراب يجب أن نتعرف أولاً ما هو التوحد؟

التوحد: هو حالة عصبية مدى الحياة تظهر في مرحلة الطفولة المبكرة، بغضِّ النظر عن الجنس أو العرق أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي. ويشير مصطلح التوحد إلى مجموعة من الخصائص. وإن من شأن تقديم الدعم المناسب لهذا الاختلاف العصبي والتكيّف معه وقبوله أن يتيح للمصابين بهذا المرض التمتّع بتكافؤ الفرص والمشاركة الكاملة والفعّالة في المجتمع.

كيف أعرف ما إن كان طفلي مُصاباً بالتوحد أم لا؟

أعرف ذلك عن طريق متابعة أعراضه التي تتجلى على النحو التالي:

تظهر بعض علامات اضطراب طيف التوحد على الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، مثل قلّة الاتصال بالعين أو عدم الاستجابة لمناداتهم أو عدم الاكتراث لمقدمي الرعاية. قد ينمو أطفال آخرون بشكل طبيعي خلال الأشهر أو السنوات القليلة الأولى من عمرهم، لكنهم يصبحون فجأة انطوائيين أو عدوانيين أو يفقدون المهارات اللغوية التي اكتسبوها بالفعل. عادة ما تظهر العلامات عند عمر عامين.

من المرجح أن يكون لكل طفل يعاني من اضطراب طيف التوحد نمطاً فريداً من السلوك ومستوى الخطورة: من الأداء المنخفض إلى الأداء العالي.

يعاني بعض الأطفال المُصابين باضطراب طيف التوحد صعوبة في التعلّم، وبعضهم لديه علامات أقل من الذكاء المعتاد. يتراوح معدّل ذكاء الأطفال الآخرون الذين يعانون هذا الاضطراب من طبيعي إلى مرتفع — فهم يتعلمون بسرعة، إلاَّ أن لديهم مشكلة في التواصل وتطبيق ما يعرفونه في الحياة اليومية والتكيّف مع المواقف الاجتماعية.

يمكن في بعض الأحيان أن تكون الشدّة صعبة التحديد، بسبب المزيج الفريد للشعور بالأعراض لدى كل طفل. ذلك أنها تعتمد بشكل عام على مستوى حالات الضعف وكيفية تأثيرها على قدرة القيام بالوظائف.

بعض العلامات الشائعة لاضطراب طيف التوحد:

-التواصل والتفاعل الاجتماعي:

قد يعاني طفل أو شخص بالغ مصاب باضطراب طيف التوحد من مشاكل في التفاعل الاجتماعي ومهارات التواصل، ومن ذلك العلامات التالية:

1- عدم استجابة الطفل عند مناداته باسمه، أو يبدو كأنه لا يسمعك، وفي بعض الأوقات يرفض العناق والإمساك به، ويبدو أنه يفضّل اللعب بمفرده، أي ينسحب إلى عالمه الخاص، إضافة إلى ضعف التواصل البصري، وغياب تعبيرات الوجه وعدم الكلام أو التأخّر في الكلام، أو قد يفقد الطفل قدرته السابقة على التلفّظ بالكلمات والجمل وعدم القدرة على بدء محادثة أو الاستمرار فيها، أو قد يبدأ المحادثة للإفصاح عن طلباته أو تسمية الأشياء فحسب، يتكلم بنبرة أو إيقاع غير طبيعي، وقد يستخدم صوتاً رتيباً أو يتكلم مثل الإنسان الآلي يُكرّر الكلمات أو العبارات الحرفية، ولكن لا يفهم كيفية استخدامها، أو لا يفهم الأسئلة أو التوجيهات البسيطة، لا يعبّر عن عواطفه أو مشاعره، ويبدو غير مدرك لمشاعر الآخرين، لا يشير إلى الأشياء أو يجلبها لمشاركة اهتماماته، يتفاعل اجتماعياً على نحو غير ملائم كأن يكون متبلداً أو عدائياً أو مخرّباً، لديه صعوبة في التعرّف على الإشارات غير اللفظية، مثل تفسير تعبيرات الوجه الأخرى للأشخاص أو وضع الجسم أو لهجة الصوت.

قد يعاني المصاب باضطراب طيف التوحد من مشاكل في الأنماط السلوكية المحدودة والمتكررة أو الاهتمام أو الأنشطة المتمثّلة بـما يلي:

-يقوم الطفل بحركات متكررة، مثل التأرجح أو الدوران أو رفرفة اليدين أو أنشطة من الممكن أن تسبب له الأذى، مثل العض أو ضرب الرأس، يضع إجراءات أو طقوساً معيّنة، وينزعج عندما يطرأ عليها أدنى تغيير، كما يعاني من مشكلات في التناسق أو لديه أنماط حركية غريبة، مثل حركات غير متزنة أو السير على أصابع القدمين، ولديه لغة جسد غريبة أو متصلبة أو مبالغ فيها، قد ينبهر من تفاصيل شيء ما، مثل العجلات التي تدور في لعبة السيارة، ولكن لا يدرك الصورة المجملة لهذا الشيء أو وظيفته. قد يكون حسّاساً بشكل غير عادي تجاه الضوء والصوت واللمس، وعلى الرغم من ذلك لا يبالي للألم أو الحرارة. لا تشغله ألعاب التقليد أو اللعب التخيّلي، قد ينبهر بجسم أو نشاط ما بحماسة أو تركيز غير طبيعي، وقد تكون لديه تفضيلات معينة من الأطعمة أو رفضها.

عندما يكبر الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد، تتحسّن حالتهم ويصبحون أكثر اجتماعية ويظهرون سلوكاً اضطرابياً أقل. يمكن لبعض المصابين الذين يعانون أعراضاً أقل شدة أن يعيشوا حياة طبيعية أو شبه طبيعية. ومع ذلك، يستمر البعض في مواجهة صعوبة في المهارات اللغوية أو الاجتماعية، ويمكن أن تزداد المشاكل السلوكية والانفعالية سوءاً في فترة المراهقة.

ما هي أسباب التوحد؟

لا يوجد سبب واحد معروف للإصابة باضطراب طيف التوحد. وبالأخذ بالاعتبار تعقيد هذا الاضطراب، وتباين أعراضه وشدته، فمن المحتمل أن يكون هناك العديد من الأسباب له. قد يلعب التكوين الوراثي والبيئة دوراً فيها.

العوامل الوراثية: يبدو أن عدة جينات مختلفة تدخل في نشأة اضطراب طيف التوحد الذي قد يرتبط لدى بعض الأطفال باضطراب جيني مثل متلازمة (ريت أو متلازمة الصبغي إكس الهش). وقد تُعزّز التغيرات الجينية (الطفرات) خطر الإصابة باضطراب طيف التوحد لدى أطفال آخرين. لكن في الوقت نفسه قد تؤثر جينات أخرى في تطور الدماغ أو طريقة تواصل خلايا الدماغ أو قد تُحدّد شدة الأعراض. قد تبدو بعض الطفرات الجينية موروثة، بينما تحدث طفرات أخرى بشكل تلقائي.

العوامل البيئية: يدرس الباحثون حالياً ما إذا كانت العوامل، مثل العدوى الفيروسية أو الأدوية أو المضاعفات أثناء الحمل أو ملوثات الهواء تلعب دوراً في التسبّب في اضطراب طيف التوحد. لا توجد علاقةٌ بين التحصينات واضطراب طيف التوحد.

واحدٌ من أكبر الخلافات القائمة على حالة اضطراب طيف التوحد هو ما إن كان له علاقةٌ بالتحصينات التي يأخذها المصاب في فترة طفولته. وبالرغم من كثرة الأبحاث المتعلقة بهذه القضية، فإن أيّاً منها لم يُثبت وجود علاقةٍ بين اضطراب طيف التوحد وأيٍّ من التحصينات الشائعة. بل إن الدراسة الأصلية التي أثارت ذلك الخلاف قبل سنواتٍ تم دحضها نظراً لضعف حجّتها والوسائل الدراسية المستخدمة فيها.

قد يعرّض إهمال التحصينات طفلك للإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة ونقلها للآخرين، مثل السعال الديكي (أبو شاهوق)، والحصبة الألمانية، وحمّى النكاف.

متى تزداد مضاعفات اضطراب التوحد؟

يمكن أن تؤدي المشكلات المتعلقة بالتفاعل الاجتماعية والتواصل والسلوك إلى ما يلي:

مشاكل بالمدرسة وذات صلة بالتعلم الناجح، مشاكل وظيفية وعدم القدرة على العيش باستقلالية، العزل الاجتماعي، الضغط النفسي داخل الأسرة، الوقوع ضحية التعرّض للتنمّر.

متى يستدعينا هذا لزيارة الطبيب؟

ينمو الأطفال بوتيرة خاصة بهم، ولا يتبع العديد منهم المواعيد الدقيقة المذكورة في بعض كتب الأبوة والأمومة. ولكن عادةً ما يظهر على الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد بعض علامات تأخر النمو قبل بلوغ الثانية من العمر.

في حالة الشعور بقلق حيال نمو الطفل أو الاشتباه في إمكانية إصابته باضطراب طيف التوحد، يرجى الإعراب عن مخاوفك للطبيب. كما أن الأعراض المرتبطة بالاضطراب قد تكون مرتبطة كذلك باضطرابات النمو الأخرى.

غالباً ما تظهر علامات اضطراب طيف التوحد مبكراً في مرحلة النمو عندما يكون هناك تأخّر واضح في مهارات اللغة والتفاعلات الاجتماعية. ربما يوصي الطبيب بإجراء اختبارات النمو لتحديد ما إذا كان الطفل يعاني تأخراً في المهارات الإدراكية والاجتماعية ومهارات اللغة أم لا إذا كان الطفل:

لا يستجيب بابتسامة أو بتعبير عن السعادة ببلوغه الشهر السادس.

لا يقلّد الأصوات أو تعبيرات الوجه ببلوغه الشهر التاسع.

لا يتلعثم بالكلام أو لا يصدر صوتاً ببلوغه الشهر الثاني عشر.

لا يومئ بحركات — مثل الإشارة أو التلويح باليد — ببلوغه الشهر الرابع عشر.

لا ينطق كلمات متفرقة ببلوغه الشهر السادس عشر.

لا يلعب ألعاب (التخيل) أو التظاهر، ببلوغه الشهر الثامن عشر.

لا ينطق عبارات تتألف من كلمتين، ببلوغه الشهر الرابع والعشرين.

يفقد مهارات اللغة أو المهارات الاجتماعية في أي عمر.

ما طرق الوقاية من هذا الاضطراب؟

لا توجد وسيلة لمنع اضطراب طيف التوحد، ولكن هناك خيارات للعلاج. يعتبر التشخيص والتدخل المبكر مفيداً للغاية، ويمكنه تحسين السلوك والمهارات وتطوير اللغة. ومع ذلك، التدخل مفيد في أي عمر. على الرغم من أن الأطفال لا يتخلصون عادةً من أعراض اضطراب طيف التوحد، إلاّ أنهم قد يتعلمون الأداء بشكل جيد.

وهذه الكلمات الأخيرة للمُصاب بالتوحد:

(أنا أولاً وأخيراً طفل مصاب بالتوحد وليست صفتي الأخيرة. أرجو منكم أن تصبروا على قلّة معرفتي بالكلمات التي تعبّر عمّا أشعر به. لدي اضطراب في جهاز الإدراك الحسي (الحواس الخمس) إن كنتَ فرداً من عائلتي أرجوك أن تحبّني دون قيد أو شرط أو اعتراض، فالتوحد ليس خياراً وإنما قبول. أرجو منك المساعدة لكي أتأقلم اجتماعياً مع مجتمعي واللعب مع بقية الأطفال).

العدد 1105 - 01/5/2024