متلازمة (اسبرجر).. أحد اضطرابات طيف التوحد

إيمان أحمد ونوس:

على اعتبار أن التنوّع والتعدّدية والاختلاف بين البشر سمة طبيعية وأساسية وحالة إيجابية يتمكّن الجميع فيها من حصولهم على حقوقهم الإنسانية كافة. عملت الأمم المتحدة وبدأب على حماية هذه السمات، كذلك عزّزت حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ورفاههم، وبضمنهم الأطفال الذين يعانون من اختلافات في التعلّم وتأخّر النمو، ومنهم المصابون بالتوحّد أو كما يُطلق عليه أيضاً (الذاتوية) باعتباره اضطراباً في النمو العصبي لوظائف الدماغ. ويظهر التوحد في الطفولة المبكرة، ويُشخّص بملاحظة بعض السلوكيات على الطفل. كما يتميّز بشكل رئيسي بتفاعلاته الاجتماعية الفريدة، والطرق غير العادية للتعلّم، والاهتمام البالغ بمواضيع مُحدّدة، والميل إلى الأعمال الروتينية، ومواجهة صعوبات في مجال الاتصالات التقليدية، واتباع طرق معينة لمعالجة المعلومات الحسية.

ومن هنا، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في آذار عام 2007 اعتبار يوم الثاني من نيسان من كل عام يوماً عالمياً للتوعية بمرض التوحد، وذلك إيماناً منها بضرورة مساعدة الأطفال والبالغين الذين يعانون من اضطرابات التوحد، ومساعدتهم على تحسين جودة حياتهم.

وقد أُحرِزَ في السنوات الأخيرة تقدم كبير في إذكاء الوعي باضطراب التوحد والاعتراف به، والفضل في ذلك يعود للناشطين والمختصين في مجال التوعية به ومعالجته، وكذلك العمل على دمج نموذج التنوع العصبي —الذي صاغته عالمة الاجتماع جودي سينجر أواخر التسعينيات— في عملهم. ومع ذلك، لم يزل المصابون بالتوحد يواجهون التمييز والعديد من التحديات الأخرى التي غالباً ما يجهلها المحيط الاجتماعي الذي ولدوا فيه رغم أنهم يتمتّعون بمجموعة واسعة من المواهب والذكاء الخارق، كحالة الطفل السوري عبد الرحمن الأسعد الذي لديه حالة طبية نادرة تسمّى متلازمة (أسبرجر) كما قال الأطباء، وهي أحد اضطرابات طيف التوحد. تصيب أصحاب الذكاء الحاد حسبما ذكر والده الذي أشار إلى أن مديرية التربية لم تقبله بسبب حالته، وقد قدم تظلماً لرئيس الوزراء حول الأمر، وبعد ثلاث سنوات من طرق الأبواب وبفضل بعض الأشخاص الذين تضامنوا معه استطاع (عبد الرحمن) الالتحاق بمدرسة خاصة كطالب في الصف الثاني رغم أن عمره 11 عاماً. وقد أدرج موقع (سناك سوري) مقالاً عن الطفل المذكور بتاريخ 28/1/2020 (1) تحت عنوان:

(عبد الرحمن طفل سوري بقدرات خارقة.. مختصون: ظاهرة عالمية)

أورد فيه ما قاله والده (حسان الأسعد) الموظف في شركة كهرباء حمص:

(المفاجأة وقعت قبل ثمانية أعوام، حين تمَّ إيقاظي في ساعةٍ مبكرةٍ وعلى عجل بصوت ينادي (بابا تعال شوف عبد الرحمن)، وبدافع الفزع والرهبة من النداء قمت مسرعاً، وشاهدت طفلي (عبد الرحمن) جالساً في غرفة أخرى بمفرده وهو يقوم بكتابة الأحرف الانكليزية وأرقامها مع اللفظ الصحيح لها، إضافةً لمثيلاتها باللغة العربية بشكلٍ مذهلٍ لا يصدَّق، للوهلة الأولى كان تأثير ما رأيت صادماً بالنسبة لي، جلست مراقباً بلا حراكٍ ولا كلام، محاولاً إيجاد تفسيرٍ لما يجري، زوجتي وإخوته كانوا على نفس الحال مذهولين ممّا يرون أمامهم، بضع دقائق مضت مانعاً نفسي من معانقته والبكاء، إلى أن استسلمت أخيراً وكان ذلك، تلك اللحظة لن تُمحى من ذاكرتي ما حييت). ويضيف الوالد: (بعد ما جرى طلبت من صديقي الدكتور شادي رباحية  الحضور الفوري، والذي لبى النداء خلال دقائق ووقف مذهولاً ممّا سمع وشاهد، وأخبرني بأنَّ حالة (عبد الرحمن) هي من الحالات النادر حصولها في العالم بين الأطفال المصابين باضطراب التوحد، وأنه بمثابة الكنز الذي لا يقدر بثمن. كانت مفاجأةً أخرى بالنسبة لي، وأنا أسمع بهذا المرض للمرة الأولى، بعدها عرضته على الطبيبة المختصة كارلا خوري، التي أكّدت بعد معاينتها له وإخبارها بما يقوم به، بأنَّه يعاني من أحد اضطرابات طيف التوحد عالي الأداء والمسماة (متلازمة أسبرجر).

(متلازمة أسبرجر) يُصاب بها من هم من أصحاب الذكاء الحاد وفق مختصة المعالجة الوظيفية (ريم البقاعي) التي تضيف قائلة: (الأطفال الذي يصابون بها قابلون للتعلّم أكثر من غيرهم، إلاَّ أنهم فاقدون للتواصل البصري والتفاعل الاجتماعي، ولديهم نمط غذائي معين، وأسلوب معيشة خاص، لكن يميّزهم سرعة التعلم).

لكن المفاجأة التي دوّت بعد ثلاث سنوات على هذا المقال أن الموقع ذاته (2) وبتاريخ 22 آذار 2023 أدرج مقالاً بعنوان:

(بعد أن رفضته المدارس.. حكاية عبد الرحمن الأسعد تُدرّس في المنهاج السوري)

جاء فيه ما يلي: طفل بقدرات خارقة.. حالة نادرة عالمياً اكتشفها أهله في الرابعة من عمره

وقد تصدّر اسم الطفل (عبد الرحمن الأسعد) أحد دروس منهاج اللغة الإنكليزية لطلاب الصف الثامن الإعدادي في (سورية) كجزء من القصص المُجمّعة من حول العالم.

وكان الدرس المعنون بعبارة (عبد الرحمن طفل سوري بقدرات خارقة) تحدّث عن مواهب (الأسعد)، الذي ينحدر من (حمص) وقد أظهر بحسب المختصين مواهب استثنائية كالتحدث بلغاتٍ لم يتعلمها من قبل. كما أنه استخدم الكومبيوتر والموبايل دون تدريب مسبق. ويتابع الدرس المذكور أن اكتشاف موهبة (الأسعد) بدأ حين كان في الرابعة من عمره وكتب كلمات وأرقاماً بالإنكليزية ونطقها بشكل صحيح. وهو ما فعله أيضاً بالنسبة للأبجدية العربية.

إضافة إلى ذلك فإن (الأسعد) امتلك ذاكرة بصرية لا تصدّق. فهو يستطيع رسم أي مبنى خلال ربع ساعة بعد النظر إلى تصميمه لمدة دقيقة أو اثنتين. كما أن بإمكانه معرفة الوقت بدقة دون النظر إلى الساعة. فيما يقول مهندس معماري أن رسومات الطفل (عبد الرحمن الأسعد) للمباني. تبدو احترافية بتفاصيلها ودقتها.

عائلة (عبد الرحمن) تحاول أن تتعامل معه وفق الأسس السليمة، ذلك أن والده دائم الاستفسار عن الطرق التي يجب أن يتعامل بها معه عند تعرضه لحالة ما، إضافة لعملها على تنمية تواصله البصري الذي يُعتبر الخطوة الأهم في علاج طفل التوحد.

الأستاذ (حسين ونوس) مدرِّس مادة المنظور في كلية الهندسة المعمارية بجامعة (البعث) قال: (في حالة الطفل (عبد الرحمن) فإنَّ الموضوع يتم بمحاكاة فطرية كاملة، لكن المذهل هي الطريقة الصحيحة التي يرسم بها، معتمداً على ذاكرةٍ تسجيليةٍ فائقة الوصف وبتطابقٍ تامٍ مع تفاصيل المبنى الأصلي، من حيث عدد النوافذ والفتحات ونوعية أبواب مداخله وحتى الزجاج المكسور في أيِّ جزءٍ فيه، وإذا ما تمت العناية به بالشكل الأمثل فإنه سيغدو نابغةً بكل ما تعنيه الكلمة في المستقبل).

 (ميسم الحصرية) اختصاصية التربية الخاصة (توحد، نطق، تخاطب، صعوبات تعلم، استشارات نفسية) ومديرة مركز (ملائكة الجنة) في (دمشق) قالت: (هناك لغة غير مفهومة يتحدث بها غير اللغات التي أعرفها ولدَّي اطلاع عليها، مما دفعني لعرض التسجيلات على عدَّة مختصين لأتفاجأ بأنَّها لغة (تشيكية)، ومن خلال الاختبارات التي خضع لها من قبلنا كفريق عمل توصلنا لنتيجةٍ تفيد بأنَّ ذكاءه يعادل ذكاء ثلاثة أطفال طبيعيين، وبحسب دراساتٍ علمية صدرت في أمريكا فإنَّ حالته تشكِّل واحداً بالمليون من كل طفل حول العالم بالنسبة لنوع الذكاء الذي يتمتع به).

والد الطفل ذي القدرات الخارقة يناشد الجهات الحكومية الاهتمام بولده ويقول إنه كأب مستمر في القيام بواجبه في تأمين احتياجاته، والبقاء بقربه ومعه طوال الوقت حتى تُوضع قدراته في مكانها الصحيح ويأخذ حقه وفرصته.

مراجع:

(1-2) موقع سناك سوري

https://snacksyrian.com/%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a3%d9%86-%d8%b1%d9%81%d8%b6%d8%aa%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d8%a7%d8%b1%d8%b3-%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86/

 

العدد 1104 - 24/4/2024