هُم البركة بيننا

وعد حسون نصر:

هُمُ البركة بيننا. نعم، إنهم بركة الدنيا والمنازل، قلوب لا تعرف الحقد، لا تعرف الكره، ولا حتى طعم الأذية. إن نظرت إلى وجوههم رأيت كل معاني الإنسانية والبراءة، وإن حدّثتهم لن تسمع من أفواههم إلاّ الكلام العفوي البعيد كل البعد عن التملّق والتصنّع والتجميل. نعم، إنهم أطفال التوحد، ملائكة بأجساد بشر، خُلقوا بيننا لنعرف معنى الرحمة.

لمن لا يعرف ماذا يعني التوحد، فهو كما ورد في تعريفه أنه من الاضطرابات النمائية التي تصيب الأطفال بمراحل مبكرة من العمر وترافقهم بقية حياتهم، ويترك التوحد تأثيراً مختلفاً ومتفاوتاً لدى المصابين ممّا دفع الاختصاصيين لتسميته بطيف التوحد، تنضوي تحت هذا المسمّى مختلف الحالات بتنوعها. لا علاج مُحدّداً لمرض التوحد، لكن تتوافر برامج علاجية تساعدهم قدر المستطاع، وبالتالي يعتبر التوحد في تصنيفه من الاضطرابات النفسية، لذلك يجب أن نعي كيف نتعامل مع التوحدي لكيلا نشعره بأنه غريب عنّا، فهو قابل للتعلّم وقابل للتطوّر، لذا علينا أن نتصرف معه كأنه شخص سليم، نخاطبه كما نخاطب الأشخاص الآخرين، مع مراعاة عدم الاقتراب منه بشكلٍ وديّ أكثر من اللازم كي لا نؤذي مشاعره، ويجب أن نحترم خصوصيته، كذلك علينا أن نكون أكثر وضوحاً واختصاراً في الحديث معه ولا ندخل بالتفاصيل قدر الإمكان، وأيضاً يجب أن نستمع له بكُل اهتمام ونشعره أن ما يقوله مهمّ لنا، ونعطيه وقتاً ليردَّ علينا ولا نستعجله، ونعطِيه مساحته الشخصيّة ولا نتطفّل عليه، ولا ننتقد تصرفاته المعتادة والمتكررة  أو نحاول تغييرها. ونوجّه لهم تعليمات بسيطة ومُباشرة لكيلا نشعرهم بأنهم غريبون عنّا، وأيضاً علينا كأهل ومجتمع أن نتقبّل وجود هؤلاء الأشخاص الذين لا ذنب لهم فيما هم عليه بيننا، وبالتالي علينا التّحلي بالصبر لأن علاج المعلومة وإيصالها إلى طفل التوحد يستغرق وقتاً أطول من أي طفل عادي، وكذلك عندما نتواصل معهم لتقديم أي فكرة جديدة أو معلومة. أيضاً علينا أن نكون أكثر مرونة معهم، فهم يعانون مشكلة إظهار مشاعرهم، ومن الطبيعي أن ينتج عنهم بعض ردود الأفعال الغريبة. هنا يجب أن نتقبّلها بالثبات والمرونة وعدم أخذها على المحمل الشخصي. كذلك التعامل معهم بمحبة حتى يستجيبوا بشكل أفضل وإيجابي، وهذه الاستجابة تأتي عن طريق المكافأة على السلوك الجيد من قبلهم، ولا ننسى التفاعل بواسطة الأنشطة البدنية، إذ من الممكن استخدام بعض تلك الأنشطة لتكون وسيلة تواصل مع الأطفال المصابين بالتوحد من خلال اللعب بالخارج أو الجري وغيرها لنشعرهم بالسعادة والاسترخاء، ولا نبخل بإظهار الحب والحنان لهم، فهم أكثر الناس الذين يحتاجون لهذا الحب وهذا الحنان، يحتاجون للعناق مثل بقية الأطفال الآخرين. فإن كان طفل التوحد لا يستطيع التعبير عن مشاعره، فهو ما زال بحاجة للرعاية والحب والاهتمام منّا وممّن حوله، مع معرفتنا لنقطة مهمة يجب الاشارة إليها وهي أن البعض منهم لا يحب أن يلمسهم أحد، حينئذٍ يجب احترام رغباتهم بعدم فرض العاطفة الجسدية كالعناق مثلاً، وبالتالي علينا أن ندرك أن هؤلاء الملائكة أنقياء لدرجة أنهم حقيقيون في كل شيء، فهم لا يعرفون الزيف ولا الكذب ويحبون بقلوب نقية بيضاء، ويكرهون الأذى لأنهم ملائكة على الأرض لا تعرف الخبث ولا تملّ من الحب.

العدد 1105 - 01/5/2024