لنُخمد أصوات طيور الظلام.. ولنبعدهم عن سماء الحرية التي ننشدها

ياسمين تيسير أبو ترابي:

إنّه جيلٌ (جحود) و(عديم المسؤولية) و (جشع) و (كسول) و.. هكذا يرى الكبار جيلنا (جيل الشباب).

ونحن اليوم نردُّ الضربة باتهامهم بأنَّ ضيق أفقهم هو الذي أوصل هذا الجيل إلى هذه الحال.

إنّهُ نوع من التقليدية وصرامة العادات البالية والملل الروتيني. فتأتي النتيجة حياة أسرية صعبة، وهو ما ينعكس على المجتمع بأكمله.

ليست صراعات الأجيال بشيء جديد، فلا بدَّ أن كل فرد في المجتمع قد مرَّ بها سواء مع الأسرة أو الأقارب أو حتى مع المعلمين والمعلمات.

إنَ الاختلافَ في الآراء بين البشر ومن مختلف الفئات العمرية لهو أمر طبيعي تماماً.

يمكننا جميعاً تصور مدى صعوبة الحياة الأسرية، إذا ما ازدادت هذه الاختلافات أكثر من اللازم وأصبح التفاهم المتبادل بين الأشخاص بمثابة عملة نادرة.

هكذا نرى في المجتمعات العربية طبيعة الخلافات التي تنشأ بين الأهل والأبناء.

الصراعات لامحدودة تنشأ في كل مكان وفي أيِّ زمان، فنسمع أصواتاً تتهافت وتتعالى، نسمع السباب والإهانة وكأنها الظاهرة الثورية الفريدة من نوعها اليوم.

سنذكر مثالاً بسيطاً يؤيّد فكرة صراع الأجيال على مرِّ العصور:

سنختار ثلاث سنوات مختلفة، ينعكس فيها جيل من الأجيال الثلاثة الآتية:

الأجداد، والآباء، والأبناء، وقد اخترنا على سبيل المثال سنة 1957،1987، 2017.

على الرغم من تعدّد أوجه المقارنة بين التواريخ الثلاثة، إلاّ أنني سأسلّط الضوء على أبرزها:

  • الإعلام في سنة ١٩٥٧: كانت الصحف المحلية والبرامج الإذاعية هي مصادر الأخبار المُتعارف عليها، فلم يكن بمقدور الجميع شراء أجهزة تلفزيون أبيض وأسود حينذاك.

وفي سنة ١٩٨٧ أصبحت التلفزيونات الملونة هي الرائجة، ولم يكن قد آن أوان أجهزة الكمبيوترات بعد.

أما سنة ٢٠١٧ فأبرز ما تتميّز به عن سنتي ١٩٥٧،١٩٨٧ هو انتشار الإنترنيت.

فمع طرح الشبكة العالمية سنة ١٩٩١ بزغ مصطلح هام كان على وشك أن يُحدث تغييراً كبيراً ألا وهو (العولمة).

ولذلك كان ما تعرفه أفضل ممّا لا تعرفه، فأصبح العالم من خلال الإنترنيت عند أطراف أصابعنا، بل بالأحرى على شاشتنا مباشرة.

ولكن الآباء والأجداد اليوم باتوا يواجهون في وقت ما صعوبة في تحمّل كل هذا، أولئك الذين كانوا يرون في ماك دونالدز ومايكل جاكسون والجينز أقصى درجات العصرية، وبالتالي يحاولون تربية أبنائهم وفقاً لأسلوب حياتهم القديم، أو الصحيح من وجهة نظرهم، إلاّ أن الأبناء يرفضون العيش في زمان غير زمانهم، وهذا ما يُخيّب أمل الآباء بشدّة.

وهكذا يتولد هذا الصراع بين الآباء والأبناء منذ سنوات مُبكّرة، ويستفحل إبّان سنوات المراهقة، حتّى إنَّه قد يُسبّب في بعض الأحيان تنافراً دائماً بين الطرفين.

إن الثقافة العربية ليست فيلماً من أفلام هوليود كما يدّعي بعض القدماء، لذا يجب الاطلاع على كل ما هو مفيد ويُغيّر من العقلية النمطية التقليدية التي ما زلنا نألفها، وحجّة الآباء والأجداد في ذلك، أنك لا تعرف مصلحتك، ما زلت صغيراً ويجب أن تسمع كلامي. وسبب تنافر الطرفين هو مقارنة الآباء وضعهم في شبابهم بوضع أبنائهم حين يتوصلون إلى النتيجة المعتادة المُلخّصة بهذه العبارة: (لم نكن صعاب المراس إلى هذا الحد).

لذا نرى جيل الشباب الآن لا يثور ثورته الهوجاء ضدّ آبائهم فقط، بل ضدَّ أعراف وعادات اجتماعية قديمة قدم الدهر.

ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا: هل هي مسألة إرادة أن يستمر الشخص (الآباء) بالتصرّف على نحو مُعيّن لأنه لا يعرف بدائل أخرى؟!

علّمونا منذ الصغر أن نغمض أعيننا عن الحقيقة ونردّد كالببغاء ما لا نعيه.

أعلم جيداً أن طيور الظلام ستفهم حرّيتنا بأنها عري، وعدالتنا بأنها مخالفة لأحكام الدين والسياسة، ومساواتنا بأنها رذيلة، فقط لأنهم يمارسون الرذيلة في مجتمعاتهم المُغلقة. مجتمع حوّل جيل الشباب إلى ذباب، يرون حريتهم ومساواتهم رذيلة وخزياً.

فلنُخمد أصوات طيور الظلام، ولنبعدهم عن سماء الحرية التي ننشدها.

فالحرية التي تخافون الانفتاح عليها هي من حقنا، من حقنا استخدامها بطرق شرعية وقانونية وأخلاقية، فالحرية ليست منّة من أحد.

+++++++++++++++

  • الاختلافَ في الآراء بين البشر ومن مختلف الفئات العمرية هو أمر طبيعي تماماً
  • الحرية التي تخافون الانفتاح عليها هي من حقنا
العدد 1105 - 01/5/2024