في مسيرة التربية تختلف المفاهيم

وعد حسون نصر:

قد تختلف مفاهيم كثيرة في التربية وتنشئة الأجيال بين مجتمع وآخر، مع بقاء القيم الأساسية التي لا يختلف عليها أحد من عدم السرقة وعدم الكذب واحترام الكبير والعطف على الضعيف وعدم الابتزاز وغيرها. لكن على الرغم من الحفاظ على مبادئ وقيم وأساسيات أي مجتمع، أليس من الضروري تسليط الضوء على طريق التعامل بين الآباء والأبناء خاصة بعد تتالي الأزمات واختراع مبررات لتصرفات كثيرة متفق عليها بأنها تنافي القيم تحت ذرائع مختلفة؟ أما حان الوقت لنُغيّر من أنفسنا نحن الآباء لنتقبّل جديد أبنائنا إذا كان مناسباً ولا يسيء لمبادئنا بشيء؟

من الطبيعي، بعد اختلاف الوقت والزمن، والتطور في وسائل الإعلام ووسائل التواصل والانفتاح على مجتمعات مختلفة بثقافتها ومفاهيمها، أن نجد طريقة للتعامل مع أبنائنا تناسب زمننا المكتظ بفوضى الحداثة، وهذا ما يفرض علينا كآباء أن نتقبّل مزاجية أفكارهم، فبدل المنع لمجرّد المنع، لا ضرر من الحوار قليلاً معهم، فقد يكون لديهم مبررات مقنعة ربما نجهلها نحن، فعلى الرغم من السلوكيات المجتمعية الكثيرة الخاطئة التي تمرُّ أحياناً بسلام تحت تبرير أقبح من السلوك ذاته، مازال مجتمعنا يقف أمام حرية اللباس لبعض الأشخاص مع العلم أنهم لا يؤذون أحداً في ارتدائهم سروالاً ممزق أو قميصاً بلا أكمام أو بوضع أقراط في الأذن. أيضاً في حالة الزواج من طائفة مختلفة، لماذا يُجرّم هذا الزواج إن كنّا جميعاً نعبد إلهاً واحد؟ فإن تقبّل الأهل هذا الزواج يصبحون في نظرة مجتمعهم حالة شاذّة وكأنهم اقترفوا ذنباً أشبه بالزنا المباح سراً. فكرة سفر الكثيرات من الفتيات للعمالة في الدول المجاورة أو في دول غربية أو ربما للدراسة، والتي انتشرت في الآونة الأخيرة في مجتمعنا السوري، هذه الفكرة لاقت الكثير من الاعتراض عند الأهل والمجتمع، حتى وإن تقبّلها الأهل بعد صدٍّ وردّ، وبعد والحوار والإقناع والمباركة، فإن المجتمع يرفضها ويبدأ البعض من أفراده يُردّد على مسامع الأهل كلمات وعبارات جارحة، لماذا لا نتخذ من الحداثة سبيلاً لنتعامل مع أبنائنا؟  لماذا لا نتجه نحو التربية التي تقوم على التشاركية سواء بالأفكار أو الأعمال، فلا ضرر إذا استفدتُ من نظرة ابني الجديدة للحياة، فلا ذنب له إذا جاء على الدنيا والعالم مفتوح أمامه عبر جوّال بين يديه، وأنا جئتُ للدنيا على صوت المذياع، بفكر يعمل ساعات لتخيّل شكل المذيع داخل المذياع، أو كيف دخل ضمن هذه الآلة الصغيرة!

نحن جميعاً بحاجة إلى تغيير أفكارنا سواء مع أنفسنا أو مع أبنائنا، وإن كانت ثورة جديدة لنبذ البالي من الأفكار، لكن علينا أن نتقبّلها حتى لا نسقط في دوامة اللوم، فلم يعد مجتمعي عبارة عن قرية صغيرة تجتمع على كأس شاي صباحي ويُغرّد أفراده بما لديهم من أخبار عن أنفسهم. اليوم، بات العالم بأسره قرية صغيرة محصورة في جوال وأبناؤنا هم المتلقي والمُقلّد، لذا وجب علينا أن نرشدهم، لا أن نضيّعهم، نستوعب جديدهم إذا كان لا ضرر فيه، نتقبّل حلمهم ببناء أنفسهم بعيداً عنّا أو خارج نطاق مدينتنا، فلنعتبر تغيّرهم فترة وستمرّ بسلام، فكل ممنوع مرغوب، لذا وجب علينا عدم الضغط بالمنع، حتى لا يتشكّل عندهم ردّة فعل غاضبة، علينا أن نستوعب الجديد ونجيد الحوار كي لا نخسر جيلاً سرقته منّا الحداثة وسار خلفها أعمى، لأننا بالحوار نرجعه إلينا مبصراً، وباللين نكسبه عوناً بجوارنا، وبالطيب نفرضه على المجتمع حتى لا يغدو شاذاً مع أننا كأهل في أحيان كثيرة نكون نحن الشواذ!

++++++++++++++++++++++

  • لماذا لا نتخذ من الحداثة سبيلاً لنتعامل مع أبنائنا؟
  • اليوم، بات العالم بأسره قرية صغيرة محصورة في جوال وأبناؤنا هم المتلقّي والمُقلّد
العدد 1105 - 01/5/2024