الشجرة المغروسة في أعماق الأرض

وعد حسون نصر:

الأم السورية ومعاناة طويلة بين واقع مغمّس بالألم والقهر، ومجتمع ذكوري قائم بالفطرة على الذكورية التي لا مبرر لها إلاّ تمييزٌ فرضه علينا جهل عقول منحت الذكر صفة القداسة. قد تختلف معاناة النساء بين مجتمع وآخر، فنرى على سبيل المثال المرأة الريفية تقع على عاتقها أعباء الحياة، من همّ العناية بالأرض وتربية المواشي وبيع منتجاتها، إضافة إلى العناية بأولادها وبيتها وزوجها الذي يمارس عليها ذكوريته تحت بند الطاعة لأنه بالشرع (قوّام) عليها، وهنا تتراكم المعاناة خلف المعاناة وخاصةً منذ أكثر من عشر سنوات على النساء من تهجير بسبب الأزمة وما نجم عنها من عبءٍ كبير للكثيرات من نساء المجتمع السوري، فصارت هذه المرأة هي الأم وهي الأب وهي الجدّة التي تقع على عاتقها كل مشاكل الأسرة، وعليها أن تكون تلك الصخرة الشامخة تتحمّل وتصمد حتى لا تنكسر وتنهار، وبالتالي يسقط المنزل مع انهيار أساسه.

لا ننسى معاناة الكثير من السيدات بسبب أفكارهن الجريئة وما نجم عنها من تقييد لحرياتهن واعتقالهن بسبب الرأي المختلف. كذلك، هل يمكن نسيان الثكالى وتمزق قلوبهن على فلذات أكبادهن الذين دُفنوا دون أن تتمكّن من غرس شتل الآس على قبورهم أو حتى معرفتها للتمكّن من زيارتهم كلما ضاق الصدر واشتاقت لتشمَّ عطر ثياب الضنى. ولا تغيب عن البال صور الأمهات المعلّقة أنظارهن مع شاشة الجوال منتظرات الرنين، فتظهر بعد ذلك صورة الابن الغائب عبر هذه الشاشة ربما يخفّف ذلك قليلاً من نار الشوق المشتعل على الفراق. فمن قال إن المجتمع والقانون أنصف المرأة؟ فإذا كان القانون يمنح الزوج حق أخذ أبنائه بذريعة الحضانة، فكيف حال أمهم ونبض قلبها بالحب وكأنه جرم، أو كأنها ليست إنساناً ومن حقه أن يُعجب من جديد وتُثار مشاعره! لذا، يبدو أن المحن التي طوّقت المرأة العربية بشكل عام والسورية بشكل خاص كثيرة جداً. فجاءت مؤخراً كارثة الزلزال وما نجم عنه من تهجير جديد، فتجد كثيرات أنفسهن بلا مأوى تفترش الحدائق والأرصفة بحثاً عن الأمان من غضب الطبيعة، وإن كانت هذه الطبيعة هي نفسها من غضب وقضى على أطفالنا وزرع الذعر في قلوبهم، فأمهات كثيرات حملن فراشاً وغطاء وخرجن يبحثن عن الأمان لأبنائهن من صدوع سقف كان هو الأمان قبل الكارثة، فبات بعدها مثار قلق ورعب. كم هي كبيرة وفظيعة المعاناة التي تقع على عاتق النساء، ومع هذا بقيت الأم/ المرأة ثابتة مثل شجرة ترفض أن تُقلع من الأرض، بقيت تهب الهواء النقي والثمر الشهي والظل، بقيت شامخة لأنها حياة ومن رحمها خرجت الحياة، هذه هي المرأة السورية عبر التاريخ، تحمّلت قسوة المجتمع ومرارة الحروب والأزمات ورعب الكوارث ومازالت تهب الحياة وتحتضن أبنائها دون بخل بالعطاء.

+++++++

  • المحن التي طوّقت المرأة العربية بشكل عام والسورية بشكل خاص كثيرة جداً
  • تحمّلت قسوة المجتمع ومرارة الحروب والأزمات ورعب الكوارث ومازالت تهب الحياة وتحتضن أبنائها دون بخل بالعطاء
العدد 1105 - 01/5/2024