(آلهة التراجيديا)

ياسمين تيسير أبو ترابي:

لم نعد نعرف، هل هذه هي الحلقة الأخيرة من مسلسلنا الدرامي أم مازال هناك كوميديا ساخرة كالذي سُمّي بخطأ الحياة؟

لقد كان شيئاً بارداً وخالياً من الأمان حتى تلك اللحظة المرعبة، لحظات سلبت الأجناس من طريدتها.

متسولون في طرقاتٍ لا تعرف معنى الدفء، راكضون بأوهامنا وأحلامنا وما تبقى منّا لإيجاد أمان يحمينا من الغربان السوداء.

محتاجون إلى مأوى يرمّم ذاك الخراب، بتنا على الأرصفة المُغلّفة بالقسوة، ملابسنا رثّة وممزّقة كالمشرّدين، ولم يعد ينقصنا سوى الوقوف على أبواب الجوامع نشحذ لقمة عيشنا.

أجسادنا تفسَّخت من ذاك البرد القارس، وأمعاؤنا خاوية تتخبّط ببعضها حتى نكاد نموت جوعاً.

هذا هو حال المواطن العربي اليوم، يبثُّ آلامه وأحزانه ولا حياة لمن تنادي.

والآن بمن سنبدأ الحرب؟!

أنحارب أنفسنا، أم نحارب أسياد السلطة وأسياد المال؟

حرب أهلية يعيشها الشعب العربي في كل مكان اليوم، ممّا يستدعي تساؤلاتنا التي لا إجابة لها:

هل هذا ناجم عن فعل البشر وشرورهم؟

متى سنتحرّر من عقدة الجلاد والعبيد؟

ألم يُقَل: إنَّ الأحلامَ خُلقت كي تتحقّق؟!

فعن أي حلم نتحدّث؟

هل نبتدئ من حلم الشاب العربي بالسفر ليكون نصيبه الغرق غالباً؟ أم نتحدّث عن فتاة في مقتبل العمر تُخوّنها العائلة والمجتمع تحت راية الشرف المُزيّف وتموت شهيدة العلم والنور والحب؟

أم نتحدّث عن أحلام صعبة المنال في بلدي، أو حلم تقتله شظيّة الفساد والاستبداد.

والآن..

هل تعرفون ما هو أصعب أنواع الفقر الذي يعايشه المواطن العربي؟

أن يكون حافياً من الانتماء..

أن يكون عارياً من الهوية..

فماهي الذاكرة التي يحملها الإنسان العربي في عقد من الزمان؟

ظُلم يَعتقلهُ ويعذبهُ ويُخفيهُ وينفيهُ، بحرٌ يهربُ إليه فيبتلعهُ، وأرضٌ يأوي إليها فتهوي عليه، فتنهزمُ آلام الدّنيا أمامَ الحزن العربي.

يا أسفاه على بلادٍ تجرّدت فيه الكثير من القيم الدينية وقيم الانتماء الوطني والسياسي!

لقد صدقتَ أيها المواطن العربي بقولكَ:

(إننا في زمنٍ المال يسترُ رذيلة الأغنياء، والفقر يغطي فضيلة الفقراء)!

العدد 1105 - 01/5/2024