أين الحكومات والمُشرّع من حقوق الشباب؟!

إيمان أحمد ونوس:

رغم أن الشباب هم الثروة الوطنية الأهم في بناء مستقبل البلاد، وهم القوة الدافعة لكل تطور في المجتمع، إلاّ أنهم يُعانون منذ عقود وعقود من التهميش والنبذ غير المُعلن من قبل الحكومات كافة، منذ ما قبل الحرب وحتى اللحظة الراهنة، ولعلّ أكبر برهان على هذا هو خلوّ الدستور من أيّة مادة تخصُّ الشباب بشكل مباشر، سواء فيما يتعلّق بحقوقهم واحتياجاتهم، أو ما يخصّ رؤاهم وتطلعاتهم لبناء مستقبلهم ومستقبل البلاد.

لا شكّ أن هذا الواقع قد ترك الشباب في مهبِّ رياح الخيبة والضياع والتشتّت، فتاهوا في مجاهل الحياة، وفقدوا الرغبة والقدرة على الانتماء حتى لم يبقَ أمامهم طريق آخر غير هجر أوطان أهملتهم وضيّعت أحلامهم وطموحاتهم، حين تنكّرت لحقهم في العلم والعمل والحياة الطبيعية من عمل وتأمين مسكن استعداداً لممارسة حقّهم في الزواج وتأسيس أسرة كما جاء في المادة 20 من الدستور التي تنصُّ على:

1- الأسرة هي نواة المجتمع ويحافظ القانون على كيانها ويقوّي أواصرها.

2- تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه، وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه، وتحمي الأمومة والطفولة، وترعى النشء والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم.

فإذا ما نظرنا اليوم إلى واقع الشباب السوري، لاسيما في ظلّ الأوضاع الاقتصادية المُتردّية، فهل نلمس أيّ انعكاسٍ حقيقي وجدّي لما جاء في هذه المادة، أم أننا نرى أن جميع العراقيل وخاصةً العقبات المادية تقف في وجه الشباب الساعي إلى الاستقرار وتأسيس أسرة كأبسط حق من حقوقه، ابتداءً من تأمين فرص العمل وليس انتهاءً بتأمين البيت ومستلزمات الزواج، فقد بات حق العمل حلماً من الأحلام المستحيلة بسبب البطالة المُستشرية في صفوف الشباب من الجنسين، ولها مفاعيل وآثار كارثية تُطيح بأبسط متطلبات العيش مثلما تُطيح بالاستقرار النفسي للشباب رغم أن الفقرة 1 من المادة 40 من الدستور تنص على أن: (العمل حق لكل مواطن وواجب عليه، وتعمل الدولة على توفيره لجميع المواطنين، ويتولى القانون تنظيم العمل وشروطه وحقوق العمال).

غير أن البطالة ليست وحدها العائق الوحيد أمام غالبية الشباب، بل هناك الغلاء الفاحش الذي فاق حدود المنطق والخيال بدرجات ودرجات غير مسبوقة، والذي بات معه تأمين مسكن بشروط جدّ بسيطة نوعاً من شطط الوهم والخيال حتى لو كان على مستوى استئجار غرفة لا أكثر، فضلاً عن باقي المتطلبات الأخرى في حدودها الدنيا.

هنا قد يلجأ البعض من الشباب إلى الزواج والسكن مع الأهل في غرفة متواضعة مع كل ما يمكن أن ينتج عنه من آثار اجتماعية وأسرية سلبية، وهذا ما قد يؤدي إلى شجارات زوجية أو أسرية مستمرة تصل في نهايتها إمّا إلى الانفصال السكني أو الزوجي في أغلب الأحيان، وهذا أحد الأسباب الكامنة وراء ارتفاع نسب الطلاق ومعدّلاته لاسيما عند حديثي الزواج.

وإذا ما حالف الحظ أحدهم وتمكّن من استئجار غرفة للعيش باستقلالية عن الأهل، فإنه سيكون لا محالة في مواجهة مصاعب ومشاقّ متطلبات أخرى كالحمل والانجاب وما يتبعهما من احتياجات أساسية للأم وللطفل، كالغذاء والدواء والملبس التي باتت تستهلك أكثر من راتب، وهي ببساطة احتياجات أساسية وليست ترفية.

لكن، لا شكّ أن هناك معوقات أكبر وأهم وأكثر خطراً على مؤسسة الزواج، منها المهور الضخمة التي باتت بعض الفتيات وذووهن يقيمون المزادات عليها، والحجّة حفظ حقوق الفتاة في حال تعرّض هذا الزواج لأي خلل كان، إذ راحوا اليوم يطلبون المهر بالليرة الذهبية أو في أبسط الأحوال يضعون أرقاماً خيالية بالليرة السورية، فضلاً عن المتطلبات الأخرى من ملبس وذهب وعفش وبيت مستقل، والأفضل أن يكون ملكاً وليس إيجاراً، إضافة إلى حفلات الزواج الخيالية قياساً لإمكانات شبابنا اليوم، فلم يعد العرس يقتصر على حفلة صغيرة بحضور الأهل والأقارب والمعارف، بل بات يتطلّب نفقات أخرى كحجز فيلا لأجل جلسات التصوير، إضافة إلى أفخم الصالات والسيارات لإقامة مراسم الزواج الذي يجب أن تكون فيه بوفيه مفتوح أو موائد تضم كل وأفخم أصناف الطعام والشراب!!

بالتأكيد إن مثل هذه السلوكيات والمتطلّبات غير المنطقية، في زمن يسود فيه الجوع على غالبية البشر مثلما تسود فيه البطالة على غالبية الشباب، هي الدافع الأكبر وراء عزوف الشباب الذكور عن الزواج لأنه لا طاقة أو قدرة أو حيلة لهم على متطلباته العصرية والخيالية. وهنا أتوجه إلى فتياتنا اللواتي هنّ بعمر الزواج لأقول لهنّ إن السعادة الزوجية أو الأمان الزوجي لا يتحقق عبر كل هذه المتطلبات والمهور العالية، وإنما يكون بالتوافق النفسي والفكري والاجتماعي بين الزوجين، لاسيما أن عدد الشباب الذكور إلى انخفاض مستمر بسبب الحرب وما تبعها من مقتل واستشهاد الكثيرين منهم، عدا هجرة من تبقى منهم خارج البلاد، وهذا أحد أسباب ارتفاع معدّلات العنوسة بين الفتيات، فلتقف فتياتنا أمام أنفسهن وأمام الواقع بموضوعية حين تظفر إحداهن بفرصة زواج، لأن قيمتها الإنسانية لا تقدّر بقيمة المهر والعفش بقدر ما تكون على قدر ثقتها بنفسها وإمكاناتها العلمية والمهنية التي يجب أن تمتلكها ليس فقط من أجل مشاركة الزوج أعباء الأسرة، بل وأيضاً من أجل ذاتها حين تُضطّر لمواجهة مصاعب وقسوة الحياة التي نعيشها جميعنا اليوم، وأيضاً لأجل تربية الأجيال القادمة من أبنائها تربية  تقوم على أساس احترام الذات والآخر من منطلق إنساني لا مادي كما يجري اليوم.

هذا لجهة ما يجب على فتياتنا بالدرجة الأولى القيام به، أما لجهة التشريع خاصة فيما يتعلق بعقد الزواج القائم على الشرع والفقه الإسلامي، والذي سُنّ وشُرِّع في زمن بعيد لم تكن البشرية على ما هي عليه اليوم من تطور طال الجنسين معاً مثلما طال مؤسسة الزواج. ولهذا يجب سن قانون أسرة عصري يحمي حقوق جميع أطرافها وليس المرأة فقط، فالمهر الذي فرضه الشرع لم يعمل يوماً على حماية وحفظ حقوق النساء بقدر ما عمل على إذلالهن سواء بالبقاء في بيت الزوجية فقط لأن المرأة غير منتجة، وربما لا تستطيع الاحتفاظ بحضانة أولادها، أو تخاف نظرة المجتمع السلبية إلى المُطلّقة، أو لأن الزوج حتى لو كان لديه الإمكانات المادية لتأدية المهر، فإنه من منطلق ذكوري وانتقامي يدفع بالمرأة للتنازل عن حقها هذا كي تحصل على الطلاق. هنا ما الحماية التي أمّنها المهر للمرأة!؟

أمام هذا الواقع المرير والخطير، كيف يمكن للشباب السوري أن يكون بوضع نفسي متوازن بالحدّ الأدنى؟ وكيف يمكن لنا أن نحثّه أو نمنعه عن الزواج، الذي هو حق أساسي من حقوقه الطبيعية والدستورية والاجتماعية؟!

ألا يساهم هذا الوضع في ارتفاع نسب العنوسة ومعدّلاتها بين الجنسين وما يتبعها من آثار نفسية واجتماعية خطيرة؟  ثمّ، ألا يدفع بالجنسين معاً إلى منعطفات خطيرة باتجاه المخدّرات والدعارة وغيرهما من سلوكيات أخلاقية خاطئة تؤثّر على القيم الأخلاقية والمجتمعية للفرد والمجتمع معاً؟

أسئلة نضعها برسم الحكومات والمُشرّع السوري، عسانا نصل يوماً إلى حياة كريمة تليق بشبابنا من الجنسين.

العدد 1105 - 01/5/2024