الزواج سباق المسافات

ريم داوود:

يُعدُّ موضوع الزواج من أهم المواضيع التي تشغل بال الإنسان، ذلك أنه يشكّل وسيلة للنجاة من كثير من الآفات. إلاّ أن إنسان اليوم يعاني وبشكل واضح من إمكانية اختيار الشريك المناسب له، وهنا لا نزعم بأن المشكلات والصراعات الزوجية حديثة العهد، فقد عانى المجتمع القديم منها، لكننا اليوم نتحدث عن مشكلات يرافقها انحلال للقيم والتقاليد والأعراف.

  • الزواج والنضج النفسي:

باتت فكرة الزواج تُشكّل إرهاقاً وضغطاً نفسياً وفكرياً على صاحبها من حيث التكاليف والمراسم والتجهيزات التي أصبحت تعانق الخيال، فضلاً عن بيت الزوجية الذي أصبح حلماً لكل زوجين.

أما الأغرب من هذا كله أنه ورغم كل ما يتكبده العروسان من تكاليف باهظة نجدهم في نهاية المطاف غير قادرين على متابعة المسير.

النضج النفسي عنوان يثير الجدل ويدفع بنا للنقاش، هل سبق أن فكّرنا بهذا المصطلح من قبل؟

ما علاقة النضج النفسي بالزواج؟

يرى د. زكريا ابراهيم أن (السنّ الملائم للزواج لا يمكن أن يتوافر بصفة عامة عند الرجال قبل ٢٨ سنة وعند الفتيات قبل ٢٥ سنة. والواقع أن الشاب والفتاة قبل هذا السن قلّما يُدرك أو تُدرك المعنى الحقيقي للزواج باعتباره صلة دائمة، ورابطة قوية، واتحاداً عميقاً).

إن الناس قلّما يفكرون بالاستعداد للزواج، وكأن هذا الزواج وظيفة تلقائية طبيعية لا تستلزم أية خبرة، بينما الواقع عكس ذلك تماماً، فالزواج يحتاج مثل أي نظام اجتماعي آخر إلى الاستعداد الكافي للقيام بكل مهامه وأعبائه.

  • اختيار الشريك:

يعتبر اختيار الشريك أمراً مفصليّاً في حياة الرجل والمرأة، لأن الزواج هو أهم فقرة في النضج الاجتماعي النفسي وهنا بيت القصيد، ولعلَّ ما نعانيه اليوم من ظواهر اجتماعية خاصة بالزواج باتت أقرب إلى المبالغة التي تدل على عدم النضج النفسي الاجتماعي لدى كلا الشريكين أو أحدهما على الأقل، فقد صار تحقيق المظاهر الخارجية من تصوير فوتوغرافي، حفلات في أفخم المطاعم، سيارات فارهة، زينة وملبوس جُلَّ اهتماماتنا غافلين مُغيبين الأمور الأساسية التي ينطوي ضمنها مفهوم الزواج وما تتطلبه هذه المرحلة من ثبات، مسؤولية ووعي بالمستقبل القادم.

وفي أحد النقاشات الأسرية تطرّق لموضوع الزواج وما آلت إليه الحال فطرح المجتمعون أفكاراً وآراء مختلفة تصبُّ في خضمِّ هذه المشكلة، فيطرح أحدهم عليَّ السؤال التالي: أنت برأيك كيف ممكن الشب أو البنت يختاروا شريك حياتن؟ بمعنى ماهي الصيغة المناسبة لإنشاء أسرة مترابطة متماسكة؟

فكانت إجابتي: ببساطة على الشريك قبل اتخاذ قرار الزواج أن يكون مستعداً له نفسياً قبل كل شيء، ثم عليه البحث عن بعض المواصفات اللّازم توافرها في الشريك الآخر من مثل:

حسن التدبير: ويقصد بها قدرة الشريك على تدبّر أمور الحياة، مواجهة الصعوبات، تحمّل الضغوط، والتكيف مع مستجدّات الحياة.

البيئة الاجتماعية: ويقصد بها الأفكار والقناعات والمعتقدات التي يتمتع بها الآخر، ذلك أنه ليس علينا تغييره ليصبح نسخة عنّا، بل علينا التكيّف والتلاؤم لإيجاد صيغة مناسبة ترضي كلا الطرفين .

الالتزام: وهذا لابدّ منه، فالإنسان الملتزم قادر على تحمّل المسؤولية والقيام بمهامه ودوره الاجتماعي.

كذلك علينا كأجيال جديدة عاصرت أزمة اقتصادية عنيفة قبول التغيير والتطوير في كثير من العادات المتعلقة بالزواج، مثال كأن يكون منزل الزوجية مسؤولية كلا الشريكين، تأمين أثاث المنزل بالمشاركة، التنازل عن بعض الأمور غير الضرورية للوصول إلى نقطة مشتركة تصبُّ في مصلحة الاثنين.

خلاصة الطرح أننا اليوم نحتاج إلى صيغة واضحة وإرشادات عامة تُمكّن كلا الشريكين من تفضيل أولويات هذه المرحلة وتحديد قوائم خياراتهم التي يجب أن تعتمد على المضمون والهدف الأساسي، وإلاّ ما فائدة الحفلات والتكاليف الضخمة إن لم نستطع تأمين أبسط الاحتياجات بعد الزواج؟

مراجع:

`ابراهيم، زكريا، الزواج والاستقرار النفسي، مصر- مكتبة الفجالة، الطبعة الثانية. ١٩٧٨: ص٢١.

العدد 1105 - 01/5/2024