حقوق المرأة جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان

إيمان أحمد ونوس:

شكّلت حقوق المرأة جزءاً ليس بالقليل من منظومة حقوق الإنسان، التي انبثق ميثاقها في عام 1948 وكذلك ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى اتفاقية مناهضة العنف والتمييز ضدّ المرأة (سيداو) والعديد من الاتفاقيات المشابهة التي صيغت لاحقاً وفق ما يُعرف بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو مجموعة من القوانين التي تحمي وتُعزّز حقوق الإنسان، وتُحدّد التزامات الدول في هذا المجال.

لذا، وحينما نتحدّث عن حقوق المرأة لا يمكننا التعامل معها أو رؤيتها إلاّ وفق هذه المنظومة المتكاملة من الحقوق الإنسانية، التي اتُّفق على أن يكون العاشر من كانون الأول من كل عام يوماً عالمياً لاستمرار التذكير بحقوق الإنسان عامة، وهو يتزامن هذا العام مع انتهاء الـ 16 يوماً من حملة مناهضة التمييز والعنف ضدّ المرأة، التي بدأت في الخامس والعشرين من تشرين الثاني تضامناً مع النساء في كل مكان، لما يلقينه من عنف وتمييز ما زال قائماً حتى في أكثر الدول مدنية وحضارة وتحرّراً، رغم أن عدم التمييز مبدأ شامل في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتنصّ عليه جميع المعاهدات الأساسية لحقوق الإنسان. كما أنّه محور صكَّين أساسيّين هما الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضدَّ المرأة. غير أن ميثاق الأمم المتحدة الذي اعتمد في سان فرنسيسكو عام 1945 كان أول معاهدة دولية أشارت بوضوح إلى ضرورة تساوي النساء والرجال في الحقوق انطلاقاً من أن هذه المساواة هدف أساسي يجب العمل عليه وباستمرار.

لا شكّ أن استمرار التمييز والعنف ضدّ النساء ناجم عن العديد من العوامل والأسباب المتعلقة بكل مجتمع على حدة، لكن القاسم المُشترك بين مختلف المجتمعات هو التعامل مع المرأة من منظور تمييزي مستند إلى المكانة والنظرة التاريخية للمرأة باعتبارها في المرتبة الثانية بعد الرجل في الكثير من الحقوق المتعلقة بالعمل والتعليم، إذ تُشكّل النساء نسباً عالية في انتشار الأمية والفقر والبطالة، كما أنهن لا يتمتّعن بالأجر ذاته الذي يتقاضاه الرجل عن العمل نفسه، إضافة إلى تعرّضهن للتحرّش والاغتصاب سواء داخل أماكن العمل أو خارجها، وهذا ما دفع بالأمم المتحدة عام 2013 لتصدر إعلاناً تاريخياً يدعو إلى إنهاء العنف ضد النساء وحمايتهن من التحرش الجنسي والاغتصاب.

ولا ننسى أن النساء أكثر تعرّضاً للعنف والقهر خلال الحروب والنزاعات المحلية والمُسلّحة، ورغم أنهن يدفعن ضريبة تلك الحروب أضعافاً مُضاعفة عن الرجال، لكنهن يبقين خارج مظلة العمليات السياسية والمفاوضات الداعية للسلام، وهذا ما دعا الأمم المتحدة لإصدار القرار الدولي رقم 1325 لعام 2000 المتعلّق بدور المرأة في عمليات السلام والأمن، ويحثُّ على اتخاذ التدابير اللازمة في المسائل المتعلقة بمشاركة المرأة في عمليات صنع القرار والعمليات السلمية، والأخذ بدمج النوع الاجتماعي في التدريب وحفظ السلم، وحماية المرأة.

إن إصرار الأمم المتحدة على تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها بشكل عام دفعها لتقصي الواقع في مختلف البلدان والاطلاع على مدى تطبيق هذه الحقوق، إذ ساورها القلق تجاه التمييز الذي يلحق ببعض الشرائح المُستضعفة ولاسيما النساء، وانطلاقاً من هذا وكما جاء في ديباجة اتفاقية مناهضة العنف والتمييز ضدّ المرأة (سيداو):

(وإذ تأخذ بعين الاعتبار الاتفاقيات الدولية المعقودة برعاية الأمم المتحدة والوكالات المتخصّصة، التي تُشجّع مساواة الرجل والمرأة في الحقوق، وإذ تلحظ أيضاً القرارات والإعلانات والتوصيات التي اعتمدتها الأمم المتحدة للنهوض بمساواة الرجل والمرأة في الحقوق، وإذ يساورها القلق، لأنه لا يزال هناك، على الرغم من تلك الصكوك المختلفة، تمييز واسع النطاق ضدّ المرأة، وإذ يساورها القلق وهى ترى النساء في حالات الفقر، لا ينلن إلاّ أدنى نصيب من الغذاء والصحة والتعليم والتدريب وفرص العمالة والحاجات الأخرى… الخ”  لكل هذا عقدت العزم على اتخاذ كافة التدابير التي يتطلبها القضاء على هذا التمييز بجميع أشكاله ومظاهره، فكان أن اعتمدت معاهدة السيداو عام 1979 وتمّت المصادقة عليها عام 1981. وقد انضمّت سورية إلى هذه المعاهدة وصادقت عليها عام 2002 بالمرسوم التشريعي 330، لكنها للأسف تحفّظت على أهم مواد الاتفاقية، فأخرجتها بهذه التحفظات عن هدفها المنشود وهو المساواة والقضاء على كل أشكال العنف والتمييز ضدّ المرأة في سورية، وبعد الحرب التي عاشتها البلاد ولا تزال منذ عشر سنوات وأكثر، وبسبب ما طرأ على المجتمع من متغيّرات أفرزها الواقع الجديد، وتلبية خجولة للحركات النسوية السورية ولعموم الناشطين بالحقل النسوي، صدر المرسوم التشريعي رقم 230 لعام 2017 الذي يقضي بإلغاء تحفّظ سورية على المادة الثانية من اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضدّ المرأة (سيداو)، بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. وهي تنصُّ بفقراتها الخمس على إلغاء كل تمييز دستوري أو قانوني أو تشريعي قد يُكرّس ممارسة تمييزية ما ضدّ المرأة. وللأمانة نقول أن أكثر القوانين والتشريعات السورية تمييزاً ضدّ المرأة هو قانون الأحوال الشخصية السوري الذي تمّ تعديله بالقانون رقم 4 لعام 2019 والأبرز فيه كان بما يخص حق كلٍّ من الأبوين معاً في السفر بالأولاد بعد موافقة الطرف الآخر (الأب أوال أم) بعد أن كانت الأم محرومة من هذا الحق إلاّ بموافقة الولي/ الأب ومن في حكمه. لكن للأسف ظلّ التحفّظ على المادة 16 من اتفاقية السيداو، المتعلقة جميع بنودها بالحياة الأسرية المشمولة جميعها بقانون الأحوال الشخصية السوري المذكور، والذي لم تأتِ تعديلاته الأخيرة مواكبة لما تتطلبه المرحلة الحالية من حياة المجتمع السوري عموماً والمرأة السورية خصوصاً.

لعلّ هذا الواقع القائم، ليس في سورية وحسب وإنما في عموم بلدان العالم التي تعيش حالة عنف وتمييز ضدّ النساء، هو ما دفع بالمجتمع الدولي للاهتمام الجّاد بقضايا المرأة وحقوقها، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان. وتمَّ تشكيل لجان لرصد أوضاعها وإنشاء آليات من أجل تطبيق الحقوق الإنسانية للمرأة.

بعد كل هذا، وفي ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لا بدّ لنا من التذكير بما قالته يوماً ما الناشطة الحقوقية إليانور روزفلت:

(أين عساها تبدأ حقوق الإنسان العالميّة في نهاية المطاف؟

لنقل في الأماكن الصغيرة، القريبة من المنزل، بل لعلَّها في أماكن قريبة جداً وصغيرة جداً إلى حدِّ أنه لا يمكن رؤيتها في أي خارطة من خرائط العالم. وما لم تحظَ هذه الحقوق بمعنى في تلك الأماكن، فإن معناها سيكون أقلُّ شأناً في أي مكان آخر. وما لم تتضافر جهود المواطنين لصونها حتى تكون لصيقة بالوطن، فإنه من غير المجدي أن نتطلّع إلى تعميمها في العالم أجمع).

العدد 1105 - 01/5/2024