العيش على المريخ

د. أحمد ديركي:

هناك الكثير والكثير من الدراسات والكتابات حول قضايا متعددة، وتندر في عصرنا الحالي المواضيع غير المبحوثة. طبعاً في عالمنا العربي، المتخم بديموقراطية أنظمته وتطور اقتصاده وأنظمته التعليمية والإنتاجية، لم يعد هناك من موضوع غير مبحوث إلى حد تصعب فيه مسألة اختيار موضوع للبحث أو الكتابة عنه.

لذا من المفيد الذهاب إلى المريخ ومحاولة معرفة كيفية الحياة عليه.

على المريخ وتحديداً في تلك البقعة الجغرافية المماثلة للبقعة الجغرافية لمنطقتنا، توجد أربعة فصول في السنة. وكان الدرس ممتعاً في مادة الجغرافيا عند الحديث عن الفصول الأربعة، وبخاصة أن مادة الجغرافية، والمدرسة بكلّيتها، في تلك الأيام، كانت في سلم أولويات غرام الطلاب في المرحلة الإبتدائية إلى حدّ تمنّي موت الأستاذ، أو هبوب عاصفة هوجاء تؤدي إلى إغلاق المدرسة.

ففي فصل الصيف ترتفع درجات الحرارة، ولا تهطل الأمطار، وفي الخريف تصفر أوراق الشجر وتنخفض درجات الحرارة، وفي فصل الشتاء تهطل الأمطار وتنخفض درجات الحرارة، وفي الربيع ترتفع قليلاً درجات الحرارة وتتفتح الأزهار.

كان هذا في درس الجغرافيا، وعلى أرض الواقع أيضاً. فكنا نعيش كل فصل بفصل، وما من فصل بين الدرس وأرض الواقع. وبخاصة في كل فصل هناك ميزة تدفعنا إلى عدم نسيانه، عطلة الصيف، عطلة الربيع، طوفان الشوارع في الشتاء …إلخ.

كان هذا سابقاً أما حالياً فالأمر مختلف كلياً.

على المريخ، وليس على الأرض، تغير المناخ وأصبح الصيف أكثر حرارة، والشتاء أكثر برودة، وجرى إلغاء فصلي الربيع والخريف، فلم يعد هناك من حاجة لهما. لقد حذف الفصلان لأسباب غيبية لا يعلمها إلا صاحب الأسرار! وكتب الجغرافيا ما زالت تتحدث عن الفصول الأربعة وجمالها! وعامة الشعب ما زالت تعتقد أن كل هذا خير من السماء ويقع ضمن قراراتها. وكأن إنسان الأرض لا علاقة له بكل تغيرات المناخ. وتظن أن هطول وابل من الأمطار لعدة دقائق سوف تعوض عن كل أمطار فصل الربيع والشتاء!

فأهلاً وسهلاً بالتصحّر الزاحف والجميع في حالة سبات صيفي شتوي في أوهام الفكر الغيبي منتظرين القادم إليهم.

مساكين سكان الأرض، وتحديداً من يسكنون في منطقة العالم العربي، لقد نسوا تعديل درس الفصول الأربعة في كتاب الجغرافيا، فنسيَهم الزمن وأصبحوا ضمن متحجرات التاريخ.

العدد 1105 - 01/5/2024