رقم في دفتر العائلة

وعد حسون نصر:

نعم، نحن النساء بشكل عام والعربيات بشكل خاص، ما زلنا نُعتبر رقماً في دفتر العائلة، يبدأ من الزوجة الأولى وينتهي عند الزوجة الرابعة، وكأننا مقتنيات لرجل واحد ذكر، مقسّمات عليه في ليالي تزيد أو تنقص حسب ظروفنا الصحية، أو حسب قدرة من تفرط بالدلال والطعام الشهي، والمبررات لترقيمنا كثيرة، وأشدّها قسوة ما تسمّى بالعنوسة، تحت ذريعة أن عددنا فاق عدد الرجال، فيجب أن نوّزع عليهم حسب الشرع، كي لا نبقى خارج حماية رجل، وهذا ما أفتى به القاضي الشرعي الأول بدمشق عندما أباح تعدّد الزوجات للضرورات، والمبرر بسبب ظروف الحرب وذهاب الرجال للجبهات وبالتالي استشهاد البعض، إضافة إلى سفر الكثير من شبابنا للخارج. هنا أصبح عدد النساء أكثر بكثير من عدد الرجال، وطبعاً على اعتبار وجود نساء أرامل وجب أن يتمَّ الستر عليهن، فلا بدّ من أن نجعل الأرملة زوجة ثانية أو ثالثة، خاصةً إذا كانت هذه المرأة صغيرة وجميلة، فهي مُغرية وهدف لأي ذكر، لذلك وجب تحصينها من قبل ذكر آخر لكي لا تبقى وحيدة، وإن كانت ليس لديها أولاد وصغيرة فسوف تُضمُّ إلى قائمة العوانس بالرغم من أنها كانت متزوجة، لكن مع الزمن ستصبح الأرملة العانس، ونجد هنا أن مفاهيم كثيرة تغيّرت بسبب أزمتنا، حتى القيم بتنا نقضي بها ونُشكّلها على هوانا وتحت مليون مبرر، وتأتي فكرة ترقيمنا نحن النساء على سمعنا شيء مقبول عند الكثيرات، والدليل أن مجموعة من السيدات قد خرجن تحمل كلٌّ منهن لوحة مكتوب عليها عبارة تطالب فيها أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة كي لا توصم بالعنوسة، أو لكي لا تبقى وحيدة بعد أن حرمتها الحرب من زوجها، فلا ذنب لها من وجهة نظرها أن تفقد متعة الحياة بريعان شبابها، وكأن عدم الزواج هنا سيلغي وجود المرأة، مع العلم أن الكثير من السيدات عاملات وذوات شأن في المجتمع أكثر من الرجال، والكثيرات منهن حاصلات على شهادات علمية عالية ويشغلن مناصب مهمة في بلادهن وعلى صعيد عملهن، وحتى في منازلهن مديرات للمنزل ومعيلات لأسرهن دون وجود رجل، كما أن كثيرات أيضاً فقدن أزواجهن وهن في عمر صغير كُنَّ قادرات بمفردهن على مجابهة الحياة أكثر من مئة رجل. فلماذا نظرة الاستخفاف إلى النساء اللواتي فاتهن قطار الزواج؟

بالمقابل لماذا تخشى الكثيرات من شبح العنوسة أو شبح الوحدة بعد أن أصبحت أرملة؟ وترضى أن تكون تحت كنف رجل حتى وإن كانت رقماً، وبعضهن تقبل فكرة أن تكون هي في بلد وهو في بلد تنتظره كلما رغب بها ليزورها فترة من الزمن لا تتجاوز الشهر، تحت مبرّر أنها على ذمة رجل يلبي لها مطالبها كافة، وخاصة المصروف من نقود لطعام وملابس ومتاع شخصي.

وقد بتنا نلمس عند البعض من نساء سورية وخاصة خلال الأزمة، ذلك أنها تتعرف من خلال وسائل التواصل الاجتماعي على رجل من الدول المجاورة يأتي لسورية، وقد يتزوجها بعقد شرعي فقط دون تثبيت بالمحكمة، فتصبح على اسمه ترضي رغبتها خلال إقامته في سورية، وحتى عندما يعود لبلده ترضيه وترضي نفسها بطريقة أخرى عبر الصور أو فيديوهات وغيرها!

تهميش المرأة واعتبارها كائناً ضعيفاً معاناة فُرِضَتْ على المرأة منذ القدم، وللأسف مازالت حتى زمننا هذا، والدليل اعتبارها عند الكثير من المجتمعات أداة للمتعة، واعتبار الرجل قوّاماً عليها، صفات كثيرة لُقِّبَتْ بها المرأة، لكن أبشعها وأشدّها جلداً للنفس والكيان لقب “عانس”. فلماذا هذا الوصف والوصم وكأنه جرم جُرِّمَتْ به الفتاة ولا ذنب لها فيه؟

من قال إن الرجل صمّام الأمان في حياة المرأة؟

هذا الكلام يحمل الكثير من الغلط، فالكثير من الرجال هم عبء على السيدات سواء كانوا أزواجاً أم إخوة أم حتى آباء، لذلك الزواج ليس من الضروري أن يكون حصانة للمرأة، فالبعض القليل من الأزواج جعلوا نساءهم بعد الزواج أداة متعة لإسعاد الآخرين مقابل تقاضي المال، والبعض أيضاً من الرجال جعلوا زوجاتهم مجرّد عاملات يعملن ويصرفن أجورهن عليه وعلى الأولاد والمنزل، فمن قال إن الزواج هو ستر للمرأة؟ فالكثير من السيدات مازلن بلا زواج ولكنهن قادرات على أن يصنعن ويدرن منازل وعائلات أفضل من مئة رجل.

العنوسة كلمة ابتدعتها مجموعة من الجهلة وجعلوا منها وصماً لفتاة لا ذنب لها بتحديد مصيرها، كما ابتدع آخرون فكرة أنت صغيرة وجميلة لا يجوز أن تبقي أرملة مدى حياتك، فالمجتمع من حولك ذئاب وعليكِ لحماية نفسك من الذئاب الزواج مرة أخرى.

العدد 1105 - 01/5/2024