عنف الحروب أشدُّ قهراً على النساء

إيمان أحمد ونوس:

ممّا لا شكّ فيه أن البلدان والمناطق التي تشهد حروباً طويلة، تكون النساء بشكل خاص، بحكم وضعهن الاجتماعي، من أكبر دافعي ضرائب تلك الحروب، على الرغم من أنهنّ غالباً لا يشاركنّ بها مباشرةً، لكنهن للأسف أوّل من يَجْنينَ تبعاتها المُرعبة من قتل وخطف واغتصاب، إضافة إلى معايشتهنّ مقتل أطفالهن أو أزواجهن وإخوتهن، عدا التهجير والنزوح وفقدان الخدمات العامة الأساسية للحياة، مما يتركهنّ عرضةً وفريسةً سهلة لمشاعر الخوف والحزن والاضطرابات النفسية المتعددة، وهذا بمجمله يندرج تحت مفهوم العنف بألوانه المختلفة المتمثّلة بـ:

  • العنف الجنسي القائم على الاغتصاب لأسباب تتعلق باعتبار المرأة أحد أسلحة الحرب التي تتمُّ من خلالها إهانة الخصم، فالمرأة في مجتمعاتنا حاملة لواء شرف القبيلة وذكورها من جهة، ومن جهة أخرى يتمّ استغلالها في الترويح عن المُقاتلين عبر ما سُمّي (جهاد النكاح)، في ظاهرة فريدة من نوعها على مدى تاريخ الحروب. وكذلك الدعارة القسرية عن طريق شبكات الاتجار الدولية أو المحلية، أو الدعارة الطوعية الناجمة عن حاجة مادية أو معنوية. وهنا أقول إننا لم نعد قادرين على إطلاق حكم أخلاقي على الدعارة المُنتشرة في المجتمع بشكل لافت، وهذا بحدِّ ذاته أقسى أنواع العنف. كما يندرج تحت هذا البند الزواج القسري لطفلات صغيرات مقابل المال. وهذا بمجمله مخالف ويتجاوز إعلان لجنة الأمم المتحدة للمرأة بتاريخ 15/3/2013 والذي يدعو إلى إنهاء العنف ضدّ النساء وحمايتهن من التحرّش الجنسي والاغتصاب.
  • العنف الاقتصادي الذي يُسبّبه تسلّط قلّة من المُحتكرين المُتحكمين وانفرادها وتحكّمها بقوت الناس وعملهم، ما وَضَعَ المرأة التي باتت في حالات غير قليلة المسؤولة الوحيدة عن إعالة الأبناء والأهل، في ظروف معيشية قاسية ومريرة من حيث الحاجة إلى مكان يؤويها وأطفالها، وإلى لقمة العيش التي بات تأمينها أمراً صعباً وقاسياً، في ظلّ غلاء يكاد يستحيل معه تأمين ما يسدُّ الرمق، ممّا عزّز زواج القاصرات بحجّة تقليص نفقات إطعامهنّ وتعليمهنّ. كما أن انعدام فرص العمل أمام المرأة، دفعها من جهة إلى اقتحام مهن وأعمال كانت حتى فترة قريبة حكراً على الرجال، ومن جهة أخرى عزّزت البطالة استغلالها في أعمال وضيعة وبأجر لا يكفي لوأد الجوع (عصابات التسوّل مثلاً)، فبات مشهد المرأة بصحبة أطفالها متسوّلة في الشوارع ليلاً ونهاراً أمراً عادياً لم يعد يحرّك الوجدان الاجتماعي أو الرسمي، ولا واضعي شرعة حقوق الإنسان.
  • العنف الاجتماعي والأسري المتمثّل بانعدام الألفة والرحمة من المحيط الذي لم يُقدّر حجم المعاناة والمسؤولية الواقعة على كاهل المرأة، لاسيما في ظلّ سكن عائلات بأكملها في مكان ضيّق، مما يُفضي إلى مشاحنات ومشاجرات أسرية دائمة، قد تؤدي في نهاية المطاف إلى الطلاق في كثير من الحالات، وقد ارتفعت نسب الطلاق في سنوات الحرب إلى مستويات مرعبة تُهدد كيان الأسرة والمجتمع السوري لاحقاً. وهناك أيضاً عُنف أُسريّ آخر يتمثّل بتسلّط الجّدّ أو الأعمام على ميراث الأب أو راتبه بعد استشهاده، فيحرمون الأم من إمكانية إعالة أبنائها لاسيما في ظلّ عدم وجود ابن ذكر، مُستغلين وصايتهم الشرعية على الأبناء التي حرمها القانون منها. إضافة إلى رفض أهل الأم احتضان أطفالها بحكم ضيق الوضع المادي والسكني، ممّا يضطّرها في بعض الحالات للتّخلي عن أبنائها لذويهم.

وهناك حالات قد تتعرّض فيها المرأة والفتاة للاختطاف بغية حصول الخاطفين على مبلغ من المال، دون أن تتعرّض للاغتصاب أحياناً، لكنها، حين تعود لديارها، تصير منبوذة اجتماعياً ويكون الطلاق مصيرها المحتوم، لأن المرأة دائماً في خانة الريبة والشكّ حتى لو ثبتت براءتها من جرم الاغتصاب، وهناك العديد من القصص التي سمعنا بها.

  • العنف النفسي الذي يتمثّل بالحالة النفسية التي تعيشها المرأة بسبب كل ما ذكرناه أعلاه، وهو يُشكّل لها مرّة بعد أخرى العديد من الصدمات النفسية الناجمة عن فقدان أعزاء أو ممتلكات، فضلاً عن الصدمات المرتبطة بالاغتصاب، إضافة إلى استمرار التوتّر والقلق اللذين يسمان تصرفاتها وسلوكياتها بشكل عام.

إن هذا الكمَّ الرهيب من العنف يخلّف داخل المرأة الإحساس بالقهر والاكتئاب والعزلة، إضافة إلى الشعور بالإثم والعار والاضطهاد الاجتماعي. وهذا بمجمله يتطلّب إنشاء مراكز للدعم النفسي والاجتماعي والقانوني للنساء والأطفال.

بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضدّ المرأة، لا بدّ من التأكيد على ضورة تطبيق القانون الدولي والاتفاقيات الدولية الخاصّة بحماية النساء والأطفال في مناطق النزاع المسلّح، باستخدام جميع الوسائل المتاحة، إضافة إلى ضرورة إشراك النساء في جميع التدابير التي يمكن اتخاذها بشأنهن، وكذلك في مجال محادثات السلام الخاصة بمجتمعاتهن، أيّ ضرورة تفعيل القرار الدولي (1325)* بشكل جدّي في سورية، إضافة إلى ضرورة رفع تحفّظات الحكومة السورية عن اتفاقية سيداو، من أجل مواكبة الواقع السوري في زمن الحرب، الذي فرض مُتغيّرات كبيرة وجديدة سواء على مستوى المرأة، أو على مستوى الأسرة والمجتمع.

*القرار 1325 لعام 2000 يتعلّق بدور المرأة في عمليات السلام والأمن ويحثُّ على اتخاذ التدابير اللازمة في المسائل المتعلقة بمشاركة المرأة في عمليات صنع القرار والعمليات السلمية، والأخذ بدمج النوع الاجتماعي في التدريب وحفظ السلم، وحماية المرأة، إضافة إلى إدماج النوع الاجتماعي في جميع أنظمة تقارير الأمم المتحدة وآليات تنفيذ البرامج.

العدد 1105 - 01/5/2024