كابوس يلاحق النساء السوريات

تهامة الدعبل:

أبشع ما يمكن للمرء أن يعيشه هو أن تكون حياته مبرمجة دوماً على دور الضحية المغلوب على أمره، حتى يحين الوقت الذي يكون فيه ضحية فعلاً، فيصبح جانياً فجأة.

هذا ما تعانيه آلاف النساء والفتيات في المجتمع العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص، فتقضي الفتاة حياتها تحت سلطة أبيها وأخيها وزوجها، لا تملك الحق في اتخاذ أبسط قرارات حياتها، إلى حين تتعرّض للتحرش أو الاغتصاب، فتصبح هي المسؤولة، وتتوجّه جميع أصابع الاتّهام نحوها، ونجد أحدهم يتشدَّق: (أكيد الحق عليها، لو محترمة حالها ما تحرّش فيها!).

تصحيحاً لكلامك يا سيدي: (لو محترم حالو ما تحرّش فيها!)، فالشرائع الدينية، التي تتذرّع بها، والتي أمرتها بالستر والحياء، هي ذاتها أمرته بغضِّ بصره، أما فكرة أنَّ الرجل لا يعيبه شيء فهذا موجود في عقلك فقط.

وقد جاوزت هذه المقولة حدَّها حتى ما عادت تقتصر على الفتاة أو كونها جميلة أم قبيحة، أو (محترمة) أم لا، بل تعدّته إلى الأطفال والمُسنّات والمُنقّبات والمحارم والذكور والقطط والكلاب كذلك، بمعنى أنَّ الأمر بات ثقافة قذرة بُرمِجَوا عليها، وهذا أمر غير مستغرب.

ويُعَدُّ انعدام الحوار ومساحة الأمان بين الأهل وأولادهم سبباً رئيساً في ازدياد حالات الاغتصاب إلى جانب مفاهيم التربية المغلوطة السائدة، فالشاب يرى الإقدام على هذا الفعل نصراً له وتحقيقاً لرجولته، ويعلم سلفاً أنَّ الفتاة لن تجرؤ على فضحه أو إخبار أحد أو التقدّم بشكوى رسمية ضدّه.

وهذا كلامٌ يعرفه الجميع، غير أنَّ معرفتنا به لا تكفي؛ فلا بدَّ من العمل على وضع حدٍّ قاطع له، ولنبدأ من تربيتنا لأولادنا وخلق مساحة للأمان بيننا وبينهم تُمكِّنهم من اللجوء إلينا حين يتعرّضون لأي أذى، وكذلك بإمكان الفتيات التدرُّب على بعض الحركات القتالية لتدافع عن نفسها، والاستعاضة عن أقلام أحمر الشفاه في حقائبهنَّ ببخّاخات تحمي نفسها بها.

أما قانونياً فعلى الرغم من كثرة المواد التي تقضي بقضايا الاغتصاب إلاّ أن جُلّها يقضي بالسجن مع اختلاف عدد السنوات وفقاً لما تقتضيه الحالة – وغالباً ما يلجأ المُغتصِب أو ذووه إلى الضغط على الفتاة وأهلها حتى تتقدّم بإسقاط حقّها – وهذه القوانين ليست كافية، فما تزال ضحايا الاغتصاب بازدياد مستمر في سورية، ممّا يؤكد أن الحاجة ماسّة إلى تعديل هذه القوانين.

واللافت للانتباه أن الحكومة الباكستانية قد أصدرت في الفترة الماضية قراراً يقضي بالإخصاء الكيميائي لكل من يقدم على جرم الاغتصاب، مع السماح بإدانات سريعة وعقوبات قاسية، وهذه باكستان الدولة المتطرّفة للحقوق الذكورية، لكنها عند هذه النقطة كانت في صف الأنثى لكي تضبط المجتمع وتحميه من نفسه.

قد يرى البعض أنَّه حكم مبالغ فيه إلاّ أنه حلٌّ جذري وحازم، وسورية الآن بحاجة إلى مثل هذه القوانين الأساسية لإعادة بناء المجتمع، بعد حربٍ احتضنت جميع أنواع الاضطرابات النفسية وزعزعت المنظومة الأخلاقية.

ومن هنا باسمي وباسم كل فتاة سورية أناشد أصحاب القرار لإعادة النظر في هذه المسألة وإصدار قوانين أكثر إنصافاً، فالفتيات في سورية يعشن كابوساً لا ينتهي، وعديمو الأخلاق يتجولون في الأرجاء ينهشون الأخضر واليابس، وكلُّنا أمل وثقة بقرارات أصحاب العدل، ونأمل ألا يخيب رجاؤنا.

العدد 1105 - 01/5/2024