من يعيق الحوار السوري-السوري يعيق حلّ الأزمة السورية

محمد علي شعبان:

لا بدّ من التأكيد على ضرورة البحث عن حلول للأزمة التي يمرّ بها وطننا السوري.

ولا بدّ من الاعتراف بأسبابها، الداخلية والخارجية، والأسباب الإضافية التي ساهمت في انتقالها إلى العنف وعطلت الحلول السياسية، والاجتماعية التي عملت عليها أطراف داخلية واقليمية تريد حلولاً حقّاً وحريصة على الدولة السورية.

لكن كيف يجري البحث في ظل التعقيدات والتدخلات الإقليمية والدولية، المتناقضة في رؤيتها للحل، والطامحة لتحقيق مصالح خاصة لها على الأرض السورية؟

وماهي العقبات التي تمنع السوريين من تقرير مصيرهم بأيديهم، رغم ادعاء كل الأطراف المتدخلة بالشأن السوري، أنهم يعملون على مساعدة السوريين في تقرير مصيرهم بأنفسهم!

يبدو أن كل طرف من الأطراف الإقليمية والدولية، يعتبر حلفاءه في الداخل السوري، هم الشعب السوري، وكأن الآخرين غرباء، وليسوا سوريين!

فكيف نستطيع إقناع تلك الأطراف أن جميع سكان سورية، بانقساماتهم المتعددة جميعهم سوريون! ما دام بمقدور هذه الأطراف تعطيل الحلول أو تأخيرها.

وما هي التحديات التي تعيق الحلول؟

بالتأكيد التحدّيات تقسم إلى قسمين:

1-التحديات الداخلية، التي تعتبر سبباً من أسباب الأزمة.

2-التحديات الخارجية، التي عبّر عنها العديد من قادة الغرب قبل اندلاع الأزمة بعدة سنوات، عقب احتلال العراق، من قبل قوات الاحتلال الأمريكية، التي عقّدت الحلول وأعاقت الحوار طيلة السنوات الماضية. فما هي الممكنات التي يجب إحضارها للبدء بتذليل العقبات والتوجه إلى طاولة الحوار والبحث عن حلول تخرج السوريين من الأزمة إلى برّ الأمان؟

بالنظر إلى أحد عشر عاماً مضت، وما تخلّلها من محاولات لحسم الخلاف بقوة السلاح، فقد أثبتت الوقائع استحالة حسم الصراع بقوة السلاح.

كما أثبتت أن معظم الأطراف الدولية والإقليمية غير مهتمة بتفاصيل ما جرى للشعب السوري من ويلات، بقدر اهتمامها بالتضييق على الدولة السورية وحصارها، وإضعاف دورها، في العديد من الملفات وخاصة ملف القضية الفلسطينية واللبنانية، بغية ارتياح الكيان الصهيوني، والتقاط أنفاسه للاستفراد بالقضية الفلسطينية وحلّها كما يشاء.

بعد تبلور الانقسام الوطني السوري والتشنّجات التي تبديها بعض الأطراف، لا بدّ من محاولة البحث عن أولويات الملفات التي تحتاج إلى حلول عاجلة، والعمل على تدوير الزوايا بغية حلّها.

مع النظر إلى التحديات الوطنية التي أرهقت السوريين خلال السنوات الماضية، وعرقلت الحلول السياسية التي تخرج سورية من محنتها، وتتلخص بحسب أهميتها في:

1_ خطر الفاشية الأصولية والتطرف الديني والمذهبي، المدعوم من جهات خارجية لا تريد الخير لوطننا.

2_ خطر الاحتلالات وتأثيرها على كتلة شعبية كبيرة في عدة أماكن على الأراضي السورية، تستخدمها لعدة أغراض خاصة وزعزعة الاستقرار في تلك المناطق، بغية إيجاد الذرائع الدائمة لبقائها على الأرض السورية وعرقلة الحلول السياسية.

3_ خوف كتلة واسعة من السوريين من ضياع حلمهم بإمكانية الانتقال إلى دولة علمانية ديمقراطية، يتحقق فيها فصل الدين عن الدولة، وقلقهم من تأخّر السلطة في المبادرة لإجراء حوارات جادة بهدف الوصول إلى حوار وطني يجمع السوريين لتقرير مصيرهم وتعزيز الشراكة الوطنية فيما بينهم، وحل وتبديد بعض المخاوف عند بعض الأقليات القومية وإشراكهم بتقرير مصير السوريين، والانتقال إلى دولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع بالحقوق والواجبات.

وكما حددنا الأخطار حسب أولوياتها، يجب أن نحدد أولوية الملفات التي يجب معالجتها، وأن نبحث عن الممكنات التي من خلالها نمتلك مفاتيح الحلول، التي نحصل عليها بالتتابع، بعد إقرارنا بضرورة حلها.

وبالنظر إلى التحديات الوطنية وتشابك العلاقات، وتعقيداتها، أعتقد بضرورة وضع ملف شرق الفرات في سلّم الأولويات، نظراً لتعقيداته ومستوى الغموض فيه، وتشابكه مع عدة ملفات، تحمل في طياتها مفاتيح الحلول بعد التوافق على حلّه، واستبعاد أيّ إجراء يعيد العنف والتهديد والوعيد، وخاصة بعد قناعة الغالبية من الشعب السوري بفشل الحلول التي تعتمد على العنف، وتترك أحقاداً وضغينة قد تعيد العنف في أيّ لحظة.

ملف شرق الفرات ملف معقد حقاً ويحتاج جهداً كبيراً بعد الانزياحات التي حصلت عند البعض، والأحلام والطموحات عند البعض الآخر. لكن لابدّ من النظر إلى الصفحات البيضاء بالقدر والأهمية ذاتها التي ننظر بها إلى الصفحات السوداء، عند كل الأطراف، وليس عند طرف بعينه. فلولا الأخطاء التي ارتُكبت، لم نكن بحاجة إلى البحث عن إصلاحها.

ويجب ألّا يكون هناك من يدّعي الوطنية ويتهم الآخرين بعدم وطنيتهم دون إثبات صحة الاتهام الذي يشكّك بوطنيتهم، بالدلائل القطعية.

لذلك يجب أن نبحث عن الحلول بلغة الشراكة وليس بلغة التقاسم.

لا يجوز إطلاق الاتهامات والتعميم على منطقة بعينها أو قومية بعينها.

في البيت الواحد، لا يمكن المساواة بين أخ وأخيه، فكيف نتهم طائفة أو قومية بشكل عام؟!

لابدّ من التمييز وإنصاف الآخرين، وعدم إطلاق الاتهام جزافاً دون دليل.

منطقة شرق الفرات ليست مفصولة عن سورية والتداخل السكاني موجود على جميع الأراضي السورية. عدد السكان من أكراد وسريان وآشوريين في الداخل يضاهي عدد سكان شرقي الفرات.

وعدد السكان من العرب والسريان والآشوريين وباقي القوميات في شرقي الفرات يضاهي عدد السكان الأكراد هناك.

وفي معظم المناطق السورية هناك بعض الشخصيات التي ظهر انزياحها الوطني وارتكبت أخطاء، ومنهم من تعامل مع المحتل.

وبناءً على ما تقدم أقول:

إن كل خلاف يمكن حلّه، ولا يوجد استحالة بالحل بعد رفع المظالم. والحوار الهادئ والشفاف الذي يقوم على المساواة بالحقوق والواجبات، يصل فيه المتحاورون الى نتائج إيجابية بعد نزع أسباب الخلاف وإزالتها.

كما أعتقد أن معظم سكان الجزيرة السورية يعرفون أن عدم الوصول إلى حلول قد ينعكس سلباً على الجميع دون استثناء. وما دام ملف شرقي الفرات بتعقيداته وأهميته يشكل مفتاح الحلول للملفّات الأخرى، لا بدّ من الاعتماد على القامات الوطنية الصادقة الموجودة هنا وهناك من عرب وكرد وسريان وآشوريين وغيرها من القوميات الموجودة هناك، والتي تعرف أسباب الانزياحات وكيفية معالجتها بالطرق السياسية السلمية، التي تبدأ بتشكيل نواة حوار في كل قطاع تناقش فيه الضرورات والتحدّيات، وتهيئة الأجواء لمؤتمر حوار وطني شامل، تحضره كل أطراف الانقسام الوطني السوري، من سلطة ومعارضة ومجتمع مدني، وتمثّل فيه كل التعبيرات السياسية، والاجتماعية، تُزال فيه الاحتقانات، وتعطى القوميات غير العربية حقوقها الثقافية، حتى تتساوى جميع القوميات بالحقوق والواجبات، ويُكتب عقد اجتماعي جديد، على صفحات جديدة يتساوى فيه الجميع أسوة بالبلدان المتحضرة التي سبقتنا إلى فصل الدين عن الدولة وتطبيق المقولة الشهيرة: الدين لله والوطن للجميع.

العدد 1105 - 01/5/2024