روسيا والصين.. من (الشراكة) إلى (التحالف الاستراتيجي)

د. صياح فرحان عزام:

على مدى سنوات طويلة بقيت العلاقة بين روسيا والصين تتمحور حول (الشراكة الاستراتيجية)، إذ عبرت السياسة الخارجية للبلدين عن التوافق في الدعوة إلى إنهاء الهيمنة الغربية علم العالم، وإقامة نظام عالمي جديد ومتعدد الأقطاب، مع احترام سيادة الدول كافة، لكن العلاقات الاقتصادية ظلت تواجه تحديات جمة لأسباب متعددة.

ولكن التطورات الدولية المتسارعة، خصوصاً بعد العملية العسكرية الدفاعية الروسية في أوكرانيا، والتوتر المتصاعد بين الصين والغرب حول تايوان، والعقوبات الغربية على كل من موسكو وبكين، فرضت واقعاً جديداً على الجانبين كان يتطلب من الطرفين طي خلافات الماضي التي نشأت منذ (ستالين)، والتطلع إلى بناء علاقات أشمل وأوسع على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، والانتقال إلى مرحلة جديدة (من الشراكة إلى التحالف الاستراتيجي) الآخذ في التبلور، وإن لم يعلن عنه رسمياً.

وقد ساعد في ذلك أمران اثنان أساسيان:

أولهما: أن السياسة الغربية الممنهجة والقائمة باستمرار على (دقّ إسفين) بين موسكو وبكين لإبقاء التباعد بينهما، أثبتت فشلها أخيراً، رغم الضغوط الغربية الهائلة لمنع المزيد من التقارب بين الجانبين أو الحد منه على الأقل.

ثانيهما: أن السياسة الغربية التي تبنت توسع (حلف الناتو) شرقاً على حساب المصالح الأمنية والحيوية لروسيا، والتي أدت إلى اندلاع الحرب الأوكرانية، دفعت موسكو أيضاً للتوجه شرقاً لمواجهة العقوبات أولاً، ولتعويض الاستثمارات الغربية في روسيا بالاستثمارات الصينية ثانياً، ولمواجهة الدعم الغربي اللامحدود لأوكرانيا ثالثاً، وللتصدي لمشكلة مماثلة للصين في تايوان بتشجيعها من قبل أمريكا على الانفصال النهائي عن الصين.

هذه الأسباب المشار إليها فرضت على كل من روسيا والصين ضرورة الارتقاء بالعلاقات بينهما إلى مستوى أعلى بكثير من الشراكة الاستراتيجية يصل إلى حد التحالف غير المعلن، وما يدلل على ذلك حجم التعاون التكنولوجي المتبادل والتدريبات العسكرية المشتركة.

كذلك هناك محفزات دفعت الصين باتجاه هذا التحالف مع روسيا، منها العقوبات الاقتصادية والتجارية التي بدأت تُفرض عليها منذ عهد الرئيس السابق ترامب، ومحاصرة بكين بالأحلاف الأمريكية (حلف كواد، وأوكوس)، في المحيطين الهندي والهادي، ومحاولات السيطرة على بحر الصين الجنوبي بذريعة ضمان حرية الملاحة الدولية، والاستفزاز الغربي للصين في تايوان التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، ومحاولات أمريكا إضفاء شرعية دولية لانفصال الجزيرة عن الوطن الأم، عبر زيارة بيلوسي وغيرها من المسؤولين الأمريكيين لها، هذه كلها عوامل سرعت وتسرع من تقوية التحالف الصيني الروسي.

وبناء على ما تقدم ذكره يبدو جلياً أن المصالح المشتركة لكل من روسيا والصين تغلبت ليس فقط على القيود الغربية المفروضة عليهما والضغوط التي تمارس من قبل أمريكا وحلفاؤها ضدهما، كما تغلبت في الوقت نفسه- وهذا أمر مهم- حتى على المصالح الاقتصادية الصينية المشتركة مع الفضاء الغربي الأوربي الأمريكي.. كذلك سرعان ما تمكنت روسيا الرازحة تحت العقوبات الغربية، تمكنت من تعويض أسواقها في أوربا والغرب، ولاسيما في مجالي النفط والطاقة بالسوق الصينية المفتوحة، وأيضاً في الهند وغيرها من الدول، الأمر الذي جعل الغرب هو الذي يعاني من تلك العقوبات التي فرضها بشكل جائر على روسيا والصين.

وبالتأكيد فإن تطلع روسيا والصين إلى عالم ما بعد (الحرب الأوكرانية) وترجمة تطلعاتها لإنهاء الهيمنة الغربية الأمريكية وإقامة نظام عالمي جديد هو الذي يفرض عليهما الارتقاء بعلاقتهما من الشراكة إلى مستوى (التحالف الاستراتيجي).

 

 

العدد 1105 - 01/5/2024