أطفال صعوبات التعلّم

ريم داوود:

من حقّي علمٌ ينفعني.. لدروب العزّة يدفعني

من حقّي حلمٌ أرسمه.. كي أزهو باسمك يا وطني!

هكذا استهلّت طفلتي عامها الدراسي تنشد مقاطع النشيد السابق متمايلة متراقصة مع أنغام صوتها والسعادة تغمر عينيها اللوزيتين، لافتة انتباهي إلى قدرتها وتمكّنها في الإلقاء والغناء، دافعة اهتمامي نحو تنمية هذه الموهبة ورعايتها وصقلها نحو الأفضل.

أما المهم واللافت في الأمر أننا كأولياء أمور نرغب دائماً الأفضل والأحسن لأبنائنا ونحثّهم بشكل مستمر نحو التميّز والتقدم ممّا يدفعنا باللاوعي واللاشعور نحو إرهاقهم وتحميلهم ما لا طاقة لهم عليه.

  • مفهوم صعوبات التعلم:

كثر في الآونة الأخيرة لفظ هذا المسمّى لدى المدرسين والمدرسات داخل الحُجر الصفية وأحياناً لدى بعض الأمهات دون الوعي والإدراك الصحيح لمعنى هذا المصطلح، ونظراً لأهمية هذا الموضوع سنبحر بين أمواجه لنطول ما بين السطور موضحين ماهية هذا المصطلح.

صعوبات التعلّم حسب الDsm5: هو اضطراب التعلّم المحدّد، وهو اضطراب في واحدة أو أكثر من العمليات النفسية النمائية الأساسية (الانتباه، الإدراك، التذكر) ينتج عنه مشكلات أكاديمية تظهر في (القراءة، الكتابة، الحساب) وينتج هذا الاضطراب عن خلل وظيفي بسيط في الدماغ، بما معناه هو ليس ناتج عن إعاقة أو حرمان بيئي أو حتى عن ظروف اقتصادية، فقد تظهر علامات صعوبات التعلّم لدى الأطفال من العائلات الميسورة كما أنها من المحتمل أن تظهر لدى طفل يملك أباً وأماً مثقفين متعلمين أو حتى أطباء، إذ تلعب المورثات الجينية دوراً كبيراً في ظهوره، أي أنه ينتقل بالوراثة ويتميّز بأن له درجات، فقد يكون بسيطاً أو متوسطاً أو شديداً، والمهم في هذا النوع من الاضطرابات أن الطفل المصاب به طفل يملك معدل ذكاء بين متوسط فما فوق أو عادي فما فوق، بما معناه أن لديه درجة ذكاء تساوي ٩٠ تقريباً، أي أنه طفل ذكي لكنه يحتاج إلى طريقة خاصة في التعليم، ونظراً لعدد الطلاب الكبير داخل الحجر الدرسية وكثافة المنهاج المقرر فإن المدرّس/ـة الذين يتم تعيينهم في بعض الأحيان وفقاً للشهادة الثانوية أو شهادة المعهد، وفي كثير من الأحيان يكونون من حملة الشهادات الجامعية، لكن تنقصهم الخبرة الكافية للتعامل مع طفل من هذا النوع، فيلجؤون إلى التأفّف والتذمّر من هذا الطفل ناعتين إياه بالكسل، التأخر، التقاعس، والإهمال غير مدركين أنه غير قادر على مجاراة زملائه والإنجاز كما ينجزون، الشيء الذي يدفع بهذا الطفل نحو العزلة والهروب خوفاً من العقاب والملامة، فضلاً عن الضغط الذي يتعرّض له داخل الأسرة من مقارنة وانفعال تعود عليه بالآثار السلبية، ولأننا بتنا نشهد عدداً غير قليل من أطفال الصعوبات دعونا ندخل قليلاً نحو الخصائص التي تميّز هؤلاء الأطفال.

يعاني الطفل ذو صعوبات التعلّم على الصعيد اللغوي من مشكلة في بناء جملة كاملة، تلعثم، تأتأة، اضطراب نطق وصعوبة في فهم التعليمات الشفوية، كما أنه لا يجيد التعبير عن أفكاره بشكل واضح ذلك أن كلامه لا يتناسب مع عمره.

أما على الصعيد النفسي الاجتماعي فإن هذا الطفل يعاني إمّا من العزلة والانطوائية أو لديه فرط نشاط، عدواني وغير قادر على الالتزام بالوقت، كما أنه يتميّز بالاندفاعية والسلوك المتهور وكثيراً ما يقوم بسلوكيات غير مقبولة اجتماعياً مع الاستمرار بأدائها.

أما على الصعيد الحركي فنشاهد لديه صعوبة في أداء الحركات الكبرى (كالقفز، رمي الكرة نحو الهدف، التوازن على الخط) والحركات الصغرى (مسك القلم، تزرير القميص، ربط الحذاء…).

  • مؤشرات تظهر لدى طفل صعوبات التعلم:

-نسيان القيام بالمهام والواجبات.

-مواجهة صعوبة في تذكّر المعلومات وانخفاض القدرة على التركيز.

-مواجهة مشكلة في تعلّم الحروف والربط بينها.

-صعوبة في تعلّم المهارات الرياضية والعمليات الحسابية.

-صعوبة في الكتابة والقراءة.

أما عن كيفية العمل وتقديم الدعم لمثل هؤلاء الأطفال، فبداية لابدّ أن نؤكد:

*إن هذا النوع من الاضطرابات لا يمكن تشخيصه إلاّ في الصف الثاني، لكن هناك مؤشّرات قد تكون واضحة تمكننا من التدخّل المبكّر مع الطفل، بمعنى أنه ليس كل طفل واجه صعوبة في كتابة الأحرف والأرقام هو طفل صعوبات، فقط علينا فسح المجال له كي تنمو قدراته الذهنية والعقلية مع احترام الفروق الفردية بين الأطفال.

*لا يمكن للمدرّس أو أي شخص غير اختصاصي إطلاق أحكام تشخيصية على الطفل أيّاً كانت الأعراض التي يلاحظونها عليه، فهذه الأحكام قد تكون قاتلة مدمّرة للطفل وأهله، يمكنه فقط لفت انتباه الأهل بطريقة أو بأخرى نحو المشكلة أو طلب المعونة من المرشد الاجتماعي أو النفسي داخل المدرسة.

*يحتاج تشخيص صعوبات التعلّم لدى الأطفال إلى مراقبة المؤشّرات السابقة والتي تتكرر بشكل ملحوظ على مدار فصل دراسي أو أكثر.

*يحتاج تشخيص إصابة الطفل بهذا الاضطراب إلى مراكز واختصاصين يقومون بأداء مجموعة من الاختبارات التي تؤكّد وجود هذا الاضطراب أو تنفيه.

وأخيراً لا بدّ من التأكيد أن أبناءنا هم كنزنا وصورة مصغّرة عنّا مهما كانت المشكلات التي يعانون منها، علينا أن نبحث داخلهم عن نقاط القوة التي تدفعهم نحو النجاح والارتقاء والتقدم، ودمتم وأطفالكم بألف خير.

العدد 1105 - 01/5/2024