تطور.. مقابل لا جهوزية

أحمد ديركي:

تفكّك الاتحاد السوفياتي بعد أن فشل في تطبيق التطور من الرأسمالية إلى الاشتراكية، أو إمكانية إحداث قفزة تاريخية نوعية في الانتقال من الإقطاعية إلى الاشتراكية. كلمة (أو) تفيد بإمكانية أن تكون إحدى الفكرتين صحيحة، أو حتى كلاهما. فهذه المسألة ما زالت غير محسومة حتى الآن في مقاربات الأسباب التي أدت إلى تفكّكه. وللأسف تندر المقاربات العلمية المتعلقة بهذا بالشأن وبخاصة من قبل مفكرين شيوعيين، ولكن المقاربات الرأسمالية حول هذه الإشكالية كثيرة وغزيرة.

منذ نشوء نمط الإنتاج الرأسمالي وهو يمر بمراحل تطوير ذاته، منذ (الرأسمالية الوحشية)، وصولاً إلى صيغته الراهنة التي يطلق عليها (النيوليبرالية)، أو الليبرالية الجديدة، والبعض يسميها (العولمة)، واليوم بدأ الحديث عن عصر ما بعد العولمة.

يمكن القول إنه تم الإعلان عن ولادة النيوليبرالية بعد اللقاء الشهير بين تاتشر وريغان. طبعاً ما كان للإعلان أن يتم ما لم يكن هناك مسار تاريخي تطور به نمط الإنتاج الرأسمالي من الليبرالية إلى النيوليبرالية. فأتى الإعلان عن ولادته بعد أن اكتمل تكون المولود. وهذا ما حدث.

وما زالت النيوليبرالية تسير في خط تطورها. لكن من المتعارف عليه، حتى من قبل المنظرين الرأسماليين، أن نمط الإنتاج الرأسمالي يعاني من أزمات دورية يصاب بها، وكلما ازداد تطوره ازدادت تعقيدات أزماته الدورية.

ليس بالضرورة أن يكون التعبير عن الأزمة عند بدايتها بشكل اقتصادي، بل قد يكون سياسياً أو اجتماعياً. وتعتبر الحروب أحد التعبيرات السياسية عن الأزمة، فكانت حرب الخليج الأولى والثانية، أي الغزو الأمريكي للعراق. جزءاً من حل الأزمة الاقتصادية وتمتين هيمنة الإمبريالية العالمية، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية على إمدادات النفط العالمية.

فكان لها ما أرادت إلا أن الأزمة لم تحل، بل تفاقمت ووصلت إلى التعبير الاقتصادي بالأزمة الاقتصادية التي أصابت مركز الرأسمالية العالمية، أي الولايات المتحدة الأمريكية، وانهيار القطاع المصرفي. فسارعت الدولة إلى إنقاذ المصارف من الانهيار ولم يخرج النظام من أزمته. أزمة تصيب بنية نمط الإنتاج الرأسمالية منذ عام 2008 ولغاية الآن، ويبدو أن مجريات العالم منذ ذلك الوقت مرتبط بالبحث عن آليات حل لها، وقد تكون الحرب الروسية – الأوكرانية واحدة من تعبيراتها.

كل هذه المجريات تحدث على الصعيد العالمي، في الوقت الذي ظنت فيه الأنظمة السياسية العربية بأنها في منأى عن مجريات الأحداث. فأوهمت شعوبها بأنها لم تتأثر بتفكك الاتحاد السوفياتي، ولم تتأثر ببدء مسيرة النيوليبرالية، ولم تتأثر بالغزو الأمريكي للعراق، ولم تتأثر بالأزمة الاقتصادية التي تصيب العالم منذ عام 2008، بصيغتها العلنية.

عدم تأثرها بالتزامن مع الأحداث جليّ وواضح، لكن توهمها بعدم التأثر بمجريات أحداث العالم أدى إلى ما نشهده اليوم من أحداث في تفسخها. فهل لهذه الأنظمة أن تستفيق من سُباتها لتعي أنها متأثرة بمجريات الأحداث العالمية، وبخاصة بعد أن بدأت انعكاساتها تفسخ العالم العربي، الذي هو في الأصل قابل للتفسخ؟ لكن من الواضح والجلي أن جاهزية الاستعداد للمواجهة غير موجودة أيضاً!

الأزمة التي تصيب نمط الإنتاج الرأسمالي لا تعني أنها سوف تؤدي إلى انهياره بالقريب العاجل، كما ظن في بدايتها بشكلها الاقتصادي العديدُ من المفكرين. كلا. فهي أزمة قد تطول عن سابقاتها، وقد يتمكن نمط الإنتاج الرأسمالي من تجاوزها، كما تجاوز غيرها. وكيف له ألا يتجاوزها والأحزاب الشيوعية، في كل أنحاء العالم، تغطّ في سبات عميق، منتظرةً انهيار نمط الإنتاج الرأسمالي من ذاته وأن تحل الشيوعية مكانه من دون أي صراع يُذكر، مثلها مثل الأنظمة العربية، مع لحظ الاختلاف بين الانتظارين، فالأنظمة العربية لا تنتظر انهيار نمط الإنتاج الرأسمالي لأنها تدور في فلكه، بل تنتظر أن يحل أزمته لتأخذ الشكل الجديد الذي رسمه لها!

العدد 1104 - 24/4/2024