الختان.. ظلم يصل حدّ الموت

نور سليمان:

يعتبرُ ختان الإناث أو ما يعرف بـ(تشويه الأعضاء التناسليّة أو قطعها عمدًا) من أسوأ أنواع صورِ الاعتداء الجنسيّ الذي تتعرّض له المرأة في العالم، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى وجودِ أكثرِ من 200 مليون امرأة وفتاة خضعنَ لشكلٍ من أشكالِ هذهِ العمليّة، ويحدثُ بشكلٍ رئيسيّ في آسيا، وبعضِ مناطقِ الشّرق الأوسط مثل: كردستان العراق، وبكَثرة في أفريقيا خاصّة مصر والسّودان، وانتشرَ في العالم نتيجة الهِجرات.

هناك أربعة أنواع من هذا التّشويه:

-النّوع الأول: استئصال البظر.

-النّوع الثّاني: الاستئصال: أي الإزالة الجزئية أو الكلية للبظر، إضافة إلى الشّفرين الصغيرين أو الطّيات الدّاخلية.

-النّوع الثّالث: الختان أي قطع وإعادة وضع الشّفرين الصغيرين، والشّفرات الكبرى التي هي الطيات الخارجية، وغالباً ما يشتملُ على خياطة لترك فجوة صغيرة فقط.

-النّوع الرّابع: يشمل جميع الإجراءات الضّارة الأخرى، مثل: الوخز والثّقب، والشق والكيّ، والكشط.

يمكنُ أن يسبّب ختان الإناث فقداناً للمتعةِ الجنسيّة والعدوى وحتى العقم، فضلاً عن تأثيرهِ النفسيّ والجسديّ، إضافةً إلى استئصالِ جزءٍ من الأنثى دون موافقتهَا، مع الانتهاكِ الصّريح لحقّها الإنسانيّ في الحياة، وتصرّ بعض العائلات إلى يومِنا هذا على ممارسةِ هذه العمليّة مع بناتهنّ، ذلك أنّهم يعتبرونَه نوعاً من أنواعِ (الطّهارةِ)، أو عمليّة تجميل، أو وسيلةً للحفاظِ على العذريّةِ وتهيئةِ المرأةِ للزّواج، والبعضُ يعتبر هذا الأمر حماية مستقبليّة من الأمراض، أو تماشياً مع الشّريعة الدينيّة، ولكن الأكثريّة يتوارثونهَا عن آبائهِم وأجدادِهِم دونَ معرفةٍ لمدى خطورتِها أو وجودِ أهمية لها.

آلام لا تزولُ إلّا بالموت:

تحاولُ الأنثى لليومِ استجماعَ قوّتها لرفضِ كلّ ما يحاولُ الهيمنةَ على جسدِها وكيانِها، فالفتيات منذ الخامسةِ يدخلونهنّ إلى منزلٍ صغيرٍ تسكنهُ سيّدةٌ كبيرةٌ لتعلنَ أنّ هذهِ (الطّفلة) قد أصبحَت (امرأة)، غير آبهين بما سيحلّ بها طيلةَ حياتِها من آلام وأمراض وربّما الموت في بعضِ الحالات.

فالختان دمارُ حياةٍ كاملةٍ لأجلِ عاداتِ باليةٍ موروثةٍ، تسبّب الخوفَ من الزّواجِ والأمومةِ والعلاقاتِ، فالفتاة الصّغيرةُ تنتقلُ بقرارٍ جاهلٍ من طفلةٍ تلعبُ مع أقرانهَا إلى هاويةٍ من العزلةِ والألمِ.

يقولونَ: (أنتِ مكعّب ثلجٍ، لا تشعرينَ، ولا تحبين، وليسَ لديكِ رغبة).

هذا ما تسمعهُ فتياتُ مجتمعاتِنا التي تزرعُ في أذهانِنا أنّ (الجسدَ يعني الجنس)، والجنسُ خطيئة وجسدكِ لعنةٌ عليكِ إخفاء جميع معالمهِ، فأنتِ عرضةٌ للشّهوةِ الذّكوريّة المباحَة علناً.

معصوبةُ العينين، يداها خلفَ ظهرِها، ساقَاها متباعدتان لتبدأَ عمليّة القطعِ، والصّراخِ الذي لن يسمعهُ أحدٌ، هذا ما تعانيهِ بعضُ الإناثِ في أكثرِ من ثلاثين دولةٍ، وهي تشعرُ هناكَ أنّها حيوانٌ مقيّدٌ يأخذونهُ نحو مسلخٍ، يقرّرونَ فيهِ كيفَ سَيعيش! فهذهِ العمليّة غير الطّبيّة تجري كطقسٍ تعيشه الفتيات في بعضِ الثّقافاتِ، واللواتي لم يخضعنَ لها يعتبرنَ غير جديراتٍ بالاهتمامِ وغير نظيفات، تقول العديد من النساء اللواتي شملهنّ استطلاع رأي أجرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ومنظمة الصحة العالمية: إنّ مجرّد إثارة نقاش عن ختان الإناث في مجتمعاتهنّ يعدّ من المحرّمات، وبالتّالي فإن الأرقام المعلنة تستند إلى تقديرات فقط.

ولا تتحدث النّساء أحياناً عن ذلك علناً خشيةَ الانتقاد، وفي أحيانٍ أخرى، لاسيّما في المناطق التي يكون فيها ختان الإناث غير قانونيّ، يُخشى أن يؤدي ذلك إلى محاكمة أفراد الأسرة أو مجموعة معيّنة.

المضاعفات:

تسبّب هذه العمليّة لا ألماً وضيقاً فقط، بل تجعل الأنثى أيضاً ضحيّة عدوى مستمرّة لكل أنواعِ الأمراضِ، من خلال استخدام آلةٍ حادةٍ واحدةٍ كالموس أو زجاج مكسور، فالعمليّة التي تضمّنت إغلاق المهبل ومجرَى البول لم تترك سوى فتحةً صغيرةً جدّاً يمرُّ بها دم الطّمثِ والبول، وأحياناً تكون الفتحة الباقية، بعد إجراء عملية التّخييط، بالغة الصّغر فلا يمكن معها ممارسة الجنس أو الولادة إلا بإجراء فتحة أخرى، مما يتسبّب غالباً في حدوث مضاعفات صحيّة تضرّ بالأمّ والجنين معًا، أيضاً تزدادُ المخاطرِ إلى خوفٍ وقلقٍ وصدمة عصبيّةٍ، مع شدّة تشويهِ الأعضاءِ الأنثويّة التّناسليّة، واحتباس في البول مما يسبّب الوفاة، وفشلٍ كلوي، والتهاب في المثانة، وتسمّم في الدّم.

تنشطُ عدّة نساءٍ ومنظمات لمحاربةِ هذهِ الظّاهرة والقضاءِ عليها، رغمَ أنّ الخوفَ من تعرّض الوالدينِ لعقوبةٍ قانونيّةٍ يمنعهنّ من تقديمِ أيّ دعوى، ومن الواجبِ علينا إعمال عقلنا في جميع الممارسات القديمة، هل هي صحيحة أم لا، وهل تناسب عصرنا والتّطوّر الذي نحن فيه؟!

العدد 1107 - 22/5/2024